فهمي هويدي
فى بريطانيا يتعرفون على شخصيات المرشحين للوظائف من خلال المواقع الإلكترونية، فيتابعون أفكارهم وآراءهم ويحصون عليهم أخطاءهم اللغوية والإملائية. وهو ما ييسر على المعنيين بالأمر التحقق من ميولهم واتجاهاتهم ومستواهم الثقافى والمعرفى. وهى عوامل تؤخذ فى الاعتبار عند صدور قرارات التعيين لمختلف الوظائف. هذا ما كشف عنه تقرير أعدته شركة «رجوب فايت» للتوظيف فى العاصمة البريطانية، ونشرت جريدة «الشرق الأوسط» خلاصة له تضمنت المعلومات التالية:
< «أكثر من 90٪ من أرباب العمل يزورون حسابات المتقدمين لشغل الوظائف على «فيسبوك» و«تويتر» قبل استدعائهم لاجتماع أو مقابلة.
< واحد من أصل خمسة من الفسابكة (الذين يستخدمون الفيس بوك) ينشرون صورا لهم مباشرة بعد التقاطها فى مختلف المناسبات، كما ينشرون معلومات خاصة بهم تشير إلى شخصيتهم وتوجهاتهم الاجتماعية والسياسية وغيرها.
< أكثر من ستين فى المائة من المتقدمين لشغل الوظائف يخسرون فرص توظيفهم بسبب ما ينشرون من معلومات على صفحاتهم الخاصة.
< كثيرون من مستخدمى فيسبوك وتويتر ينشرون مقاطع فيديو أو صورا دون إعارتها أى تفكير، مما يؤدى فى بعض الأحيان إلى وضعهم فى مواقف محرجة قد تكلفهم مستقبلهم المهنى.
< لا ينتهى الأمر بفحص الصور التى ينشرها الباحث عن وظيفة على موقعه، إنما أيضا يتحرى رئيس العمل مستوى كتابة المرشح للوظيفة، وعدد الأخطاء اللغوية والإملائية التى يقع فيها حين يكتب منشوراته، ذلك بالإضافة إلى ما يسجله من أشياء أخرى مشينة.
< على الرغم من امكانية التحكم فى خصوصية استخدام فيسبوك فإن ربع المنتسبين لم ينتبهوا للأمر، ولم يتمكنوا من تحديد الأشخاص الذين باستطاعتهم تعقبهم والاطلاع على ما ينشرون على صفحاتهم الخاصة.
< نصحت الشركة الباحثين عن عمل بأن يضعوا فى اعتبارهم أن جميع مديرى العمل يزورون المواقع الإلكترونية لفحص حسابات المتقدمين للوظاف أو للبحث عن مرشحين أيضا يكونون مناسبين للوظيفة. كما أن المختصين فى ذلك المجال ينبهون إلى أهمية ما يتم نشره على الإنترنت، لأنه يبقى إلى الأبد، كما أنه يعطى فكرة واضحة عن الحياة الشخصية لصاحب الحساب فى الحاضر والمهنية فى المستقبل.
من المصادفات أن الصحيفة اللندنية نشرت خلاصة التقرير البريطانى يوم 16 سبتمبر الحالى، أثناء تشكيل الوزارة المصرية الجديدة التى حلفت اليمين أمام رئيس الجمهورية بعد ثلاثة أيام (فى 19 سبتمبر). وحين نشرت المواقع الإلكترونية تعليقات وزير التربية والتعليم التى دونها على صفحته بما تضمنته من أفكار هابطة وأخطاء لغوية وإملائية مشينة، فإن الذى كشف الأمر كان بعض الفضوليين والحشريين من خبثاء المصريين الذين يتابعون أنشطة وممارسات «الفسابكة» ومدوناتهم على صفحاتهم.
لا أعرف ما إذا كانت الجهات التى تجمع المعلومات عن المرشحين للوزارة قد اطلعت على كتابة من رشح لشغل حقيبة التربية والتعليم أم لا، إلا أن الأمر فى هذه الحالة لا يخرج عن احتمالين لا ثالث لهما، الأول ألا تكون قد اهتمت بكتابات الرجل، الأمر الذى يعنى أنها بذلك تكون قد قصرت فى عملها، وهو ما استبعدته لأن أجهزة الرصد والمتابعة تعد من أنشطة الجهات خصوصا فى الظروف الأمنية السائدة فى مصر. الاحتمال الثانى الذى أرجحه أن تكون تلك الجهات قد اطلعت على كتابات صاحبنا ولم تكترث بها، لانها ركزت على جوانب أخرى تتعلق بالولاء والاتجاه السياسى إضافة إلى الذمة المالية وربما السمعة الأخلاقية إلى جانب المؤهلات العلمية والوظيفية بطبيعة الحال.
لقد أدهشنى ما ذكره التقرير البريطانى عن تدقيق أرباب الأعمال الذى وصل إلى حد رصد الأخطاء اللغوية والإملائية لأصحاب طلبات التوظف وإدخال ذلك العنصر فى تقييم شاغل الوظيفة. ذلك أننى أحد الذين يؤمنون بأن الاعتزاز باللغة تعبير عن الاعتزاز بالهوية والذات، وفى مناسبات عديدة رددت القول المأثور الذى ينسب إلى الإمام ابن حزم الأندلسى، وفيه قرر أن إعوجاج اللسان علامة على إعوجاج الحال.
ينعقد لسان المرء حين يقارن بين معايير اختيار بعض الموظفين فى بريطانيا ونظيرها التى يعول عليها فى اختيار الوزراء فى بلادنا. كما أننى لا أخفى خجلا من شيوع الأخطاء اللغوية والإملائية أحيانا فيما يصدر عن كبار المسئولين من كلمات أو بيانات، وهو ما اعتدنا عليه وصرنا نتسامح معه بمضى الوقت ضمن مؤشرات عموم «بلوى» التدهور فى الأداء العام. إلا أنه مما لا يصدق ولا يخطر على البال أن تثبت تلك الأخطاء بحق مسئول عين وزيرا للتربية وللتعليم ــ مرة واحدة! ــ حيث أخشى أن نفاجأ يوما ما بوزير للزراعة أو الصناعة لا يجيد القراءة والكتابة!. وحين يحدث ذلك ويقبل فإننا نعذر إذا أدرجناه ضمن علامات الساعة الصغرى!