توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نسألك اللطف فيه

  مصر اليوم -

نسألك اللطف فيه

فهمي هويدي

إذا أردنا أن نحلم بشىء للعالم الجديد فليكن رجاؤنا ألا يكون مثل سابقه ولا أسوأ منه. قاصدا استخدمت كلمة «نحلم» لأن من الأحلام ما هو بعيد عن التحقيق ومنها ما يظل معلقا فى الفضاء ولا يتحقق على الإطلاق. لم أقل «نتمنى» كى يبدو المراد قريبا خصوصا إن شواهد الواقع لا توحى بذلك، ذلك أننا دخلنا مرحلة السنوات العجاف، نحن والعالم المحيط بنا. أدرى أننا مطالبون بالتفاؤل ومدعوون إليه، وشائعة فى الأثر مقولة «تفاءلوا بالخير تجدوه». ورغم أن مصدرها غير ثابت إلا أن ذلك مشروط بألا يصل التفاؤل إلى درجة خداع النفس وإنكار حقائق الواقع وشواهده، الأمر الذى يتعارض مع الفطنة وحسن التدبير.

كلنا فى الهم سواء. ففى يوم الأربعاء الماضى ٣٠/١٢ نشرت صحيفة «هاندلسبلات» تصريحات لمديرة صندوق النقد الدولى كريستين لاجارد أن الاقتصاد العالمى سيكون مخيبا للآمال فى العام الجديد، وقالت فى مقالة نشرتها الصحيفة إن احتمالات رفع سعر الفائدة فى الولايات المتحدة والتباطؤ الاقتصادى فى الصين عوامل تسهم فى القلق الناشئ عن زيادة مخاطر ضعف الاقتصاد فى العالم. أضافت أن نمو التجارة العالمية تباطأ كثيرا. كما أن هبوط أسعار المواد الخام خلق مشكلات جمة للاقتصادات التى تعتمد بشكل أساسى عليها. وإلى جانب ذلك فلا يزال القطاع المالى يعانى من مواطن ضعف فى العديد من البلدان، الأمر الذى يرفع من وتيرة تزايد المخاطر المالية فى الأسواق الناشئة. وهى عناصر تشير إلى أن النمو العالمى سيكون مخيبا للآمال ومتفاوتا فى العام الجديد. وكنت أشرت يوم الخميس الماضى ٣١/١٢ إلى ما أعلن فى السعودية من إجراءات وقرارات بمناسبة الموازنة الجديدة للدولة، التى تخللها عجز وصل إلى ٨٩ مليار دولار. ومن بين تلك الإجراءات زيادة أسعار الطاقة والمياه وإعادة هيكلة الاقتصاد. وهى الإجراءات التى لجأت إليها الدول النفطية الأخرى بدرجات متفاوتة. بعد انخفاض أسعار النفط إلى النصف تقريبا. فى هذا السياق قررت الكويت يوم الخميس الماضى رفع أسعار المحروقات بنسبة وصلت إلى ٦٠٪. كما أعلنت أنه سيتم الاستغناء عن ٢٥٪ من العمالة الوافدة فى العام الدراسى الجديد. الأمر الذى يكشف عن جانب من أصداء الأزمة المالية التى تعانى منها الدول النفطية التى ستؤثر على العمالة الوافدة والتحويلات المالية، فضلا عن المساعدات التى تقدمها تلك الدول إلى الدول الأخرى.

صحيح أن شبح الأزمة يهدد الجميع تقريبا. إلا أن ثمة فرقا أساسيا بين نطاق الأزمة ومجالاتها فى كل جانب، فإذا قارنا بين الدول الغربية وبين العالم العربى فسنجد أنها عندهم اقتصادية بالدرجة الأولى فى بيئة سياسية مستقرة، أما فى عالمنا العربى فهى مستحكمة على الصعيدين السياسى والاقتصادى. فالعالم العربى يمر بمرحلة هى الأسوأ فى تاريخه المعاصر. وهى أوضح ما تكون فى المشرق الذى تتناوشه العواصف من كل صوب. إذ إلى جانب أزمة الدول النفطية، فالصراعات قائمة فى العراق وسوريا واليمن ولبنان وطائرات الدول الغربية تتحرك فى فضائه طول الوقت تستهدف مواقع تنظيم داعش، والروس يعربدون فى سماء سوريا بلا حساب ويساهمون فى إعادة رسم خرائط البلد، وإسرائيل فى قلب المشهد تتحرك حيثما شاءت، وتركيا فى العراق تارة ومشتبكة حول سوريا مع إيران تارة أخرى، ومع روسيا فى الوقت نفسه. وفى تلك الأجواء يتصدع بناء السلطة الفلسطينية الموشكة على الانهيار بعد فشل تجربة الرئيس محمود عباس المنتهية ولايته منذ عام ٢٠٠٩ فى حين أن النجاح الوحيد الذى حققه لم يتجاوز التنسيق الأمنى مع إسرائيل. وحده الشباب الفلسطينى الذى أشهر السكاكين للدفاع عن المسجد الأقصى هو من بات يحارب العدو الحقيقى ويوجه نقمته فى الاتجاه الصحيح.

المغرب ليس بعيدا تماما عن أصداء الأزمة. فخطر التمزق قائم وحضور داعش المتزايد فى ليبيا لايزال يلوح فى الأفق. والقلق مخيم على الفضاء الجزائرى بسبب ما يثار من تجاذب حول مستقبل البلد بعد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الذى يشك فى قدرته على إدارة دفة الحكم. وتظل تونس والمغرب بدرجة أو أخرى بمنأى عن الصراع، حتى إشعار آخر على الأقل.

مصر التى انتخب فيها مجلس للنواب بلا معارضة باتت على مسافة أبعد من الممارسة الديمقراطية، الأمر الذى يثير قلقا على مسألة الحريات العامة وملف انتهاكات حقوق الإنسان. ومن ثم تبرز أمامها فى العام الجديد ــ إضافة إلى ما سبق ــ ثلاث مشكلات كبرى على الأقل هى: الانقسام الداخلى والمصالحة الوطنية ــ الأزمة الاقتصادية التى ازدادت تعقيدا لأسباب داخلية وخارجية ــ أزمة سد النهضة التى تثار بشكوك كثيرة حول موقف إثيوبيا منها. أما كيف ستتم إدارة تلك المشكلات، فذلك سؤال رابع لا تتوافر فى الأفق إجابة مقنعة له.

لقد علمتنا تجارب السنوات الأخيرة أن خياراتنا لم تعد بين جيد وردىء، ولكنها أصبحت تتراوح بين السيئ والأسوأ، الأمر الذى يجعلنا نقبل السيئ ليس اقتناعا به ولكن تجنبا لما هو أسوأ. لذلك فإن الحلم قد يبدو ترفا لا نقدر عليه، لأن غاية مرادنا أن نقلل من عدد ووطأة الكوابيس. لذلك أزعم أن الدعاء الأمثل فى استقبال العام الجديد هو: اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكن اللطف فيه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نسألك اللطف فيه نسألك اللطف فيه



GMT 15:22 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الفشل الأكبر هو الاستبداد

GMT 15:21 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

حافظ وليس بشار

GMT 15:17 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

سلامة وسوريا... ليت قومي يعلمون

GMT 15:06 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

التسويف المبغوض... والفعل الطيِّب

GMT 15:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

نُسخة مَزيدة ومُنَقّحة في دمشق

GMT 15:03 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الشهية الكولونيالية

GMT 15:01 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

البحث عن الهوية!

GMT 13:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

عودة ديليسبس!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon