بقلم / فهمي هويدي
لا يشرف نقابة الصحفيين المصريين أن تزيد لأعضائها البدلات فى حين يبقى ٥٧ صحفيا فى السجون والمعتقلات، زيادة البدلات مهمة لا ريب، لكن حرية الصحفى وكرامته أهم بكل المقاييس، ورغم أن حكاية البدلات ليس مقطوعا بها، ولكنها لاتزال شائعة أو أمنية يتحدث بها البعض، إلا أننى لم أستطع أن أفصل بين «الهدية» التى ينتظر أن تقدمها السلطة فى احتفال النقابة فى ذكرى مرور ٧٥ عاما على إنشائها فى الأسبوع المقبل، وبين السكوت على استمرار وجود هذا العدد الكبير من الصحفيين فى السجون والمعتقلات، بسبب ممارستهم لعملهم المهنى. أدرى أن بيانات الشبكة العربية لحقوق الإنسان تذكر أن بين هؤلاء، ٢٧ فقط من أعضاء النقابة والباقون مارسوا عملهم الصحفى قبل ان تنتهى إجراءات قيدهم، مع ذلك فالثابت أنهم سجنوا لأنهم كانوا يمارسون عملهم المهنى وليس لأى سبب آخر. ثم إن قيدهم من عدمه قضية إدارية تتعلق بالإجراءات تحاسب عليها النقابة، لكن حبسهم أثناء قيامهم بعملهم وبسببه قضية مهنية لا تستطيع النقابة أن تتخلى عنها وإلا فقدت أساس شرعيتها.
لا يكفى أن يرد على ذلك أو يبرره القول بأن المظاليم كثيرون، وإن الصحفيين ليس على رأسهم «ريشة» كما يردد البعض، وبالتالى فإنه لا ينبغى استثناؤهم والمطالبة بإطلاق سراحهم دون غيرهم. وهى مقولة لا اعتراض لى عليها، ولعلى لست بحاجة بأن أذكر بأننى مع الإفراج عن كل مظلوم. لكننا بإزاء مناسبة الاحتفال بذكرى إنشاء النقابة، الأمر الذى يسوغ التذكير بملف الصحفيين المسجونين، الذين يعد استمرار احتجازهم لسنة أو اثنتين لا يخالف مبدأ منع الحبس فى قضايا النشر فحسب، ولكنه يضرب الأساس الذى قامت عليه فكرة إنشاء النقابة فى عام ١٩٤١. وستظل المفارقة شديدة حين نذكر أنه بعد ٧٥ سنة من إنشاء النقابة وصل عدد الصحفيين المسجونين إلى ٥٧ شخصا وهو أكبر رقم للمحبوسين عرفته المهنة فى تاريخها.
فيما فهمت فإن احتفال النقابة بالمناسبة سوف يستمر ستة أيام تتخللها فعاليات عدة. ودهشت حين قيل لى إن مناقشة موضوع الصحفيين المعتقلين لم تدرج ضمن تلك الفعاليات رغم أننى أزعم أنه أحد أهم العناوين التى ينبغى أن تحتل صدارة المناقشات. وإذا صح ذلك فلا تفسير له سوى إن وراءه ضغوط الأجهزة الأمنية التى لا يسرها أن تسلط الأضواء على الموضوع، بحيث يظل محجوبا وراء ستائر النسيان. وأذكر هنا بأن ضغوطا مماثلة وربما أقوى مورست على نقيب الأطباء وأعضاء النقابة لإلغاء الاجتماع الطارئ الذى دعت إليه دفاعا عن كرامة الأطباء الذين اعتدى عليهم بعض أمناء الشرطة. إلا أن النقيب أصر على عقد الاجتماع وأعلن فى بدايته أنه قاوم الضغوط التى استهدفت إلغاءه. ولا اعرف إلى أى مدى تمارس الأجهزة الأمنية ضغوطها على نقابة الصحفيين لكننى لا أستطيع أن أتجاهل تلك الضغوط. كما أننى لا أستطيع تجاهل اختراقات تلك الأجهزة للمهنة، الذى نشهده فى أداء بعض الإعلاميين. إلا أن الثقة كبيرة فى نقيب الصحفيين، الذى أرجو أن يكون قادرا على مقاومة الضغوط التى يتعرض لها، لأنه سيظل مخيرا بين أن يرضى الأجهزة الأمنية وبين أن يدافع عن كرامة الصحفيين وحقوقهم، باعتبار أن الجمع متعذر بين الاثنين.
إن حالة زميلنا الأستاذ مجدى حسين عضو مجلس النقابة السابق ورئيس تحرير جريدة الشعب تعد نموذجا صارخا للظلم الذى ينبغى أن تتبنى النقابة موقفا شجاعا لرفعه. فالرجل أمضى نحو سنتين فى الحبس بسبب انضمامه إلى مجموعة الدفاع عن الشرعية، وحين لم يثبت بحقه مخالفة للقانون صدر قرار إخلاء سبيله مع آخرين من النشطاء. لكنه استثنى وتم الإبقاء عليه سجينا حين تبين أن عليه حكما بالسجن ثمانى سنوات فى قضايا نشر سابقة، وحين طعن فى الحكم فإن إدارة السجن رفضت السماح له بحضور جلسة الطعن. الأمر الذى دعا القاضى إلى اعتباره غائبا وثبت الحكم عليه.
أمثلة ذلك التعسف كثيرة وأحدثها ما جرى لزميلنا الأستاذ خالد البلشى وكيل نقابة الصحفيين الذى صدر قرار بضبطه وإحضاره قبل أيام من الاحتفال بالعيد الماسى، ثم تأجل تنفيذه ربما لتهدئة الأجواء فى المناسبة، لكنه لم يلغ.
لو كنت محل نقيب الصحفيين الذى تحسب له العديد من المواقف المستقلة والشجاعة لألححت على إزالة الوصمة وحل مشكلة الصحفيين المسجونين فى مناسبة الاحتفال المزمع إقامته. ذلك أن هذه الخطوة هى التعبير الأفضل عن احترام المهنة، أما زيادة وزارة المالية للبدلات فهى تبرع فيه من شراء الولاء بأكثر مما فيه من الاحترام.