توقيت القاهرة المحلي 16:49:32 آخر تحديث
  مصر اليوم -

وصية الملك خيتى

  مصر اليوم -

وصية الملك خيتى

فهمي هويدي

القرار مهم والرسالة أهم. أتحدث عن قرار وقف بث حلقات «البرنامج» الذى يقدمه باسم يوسف، أما الرسالة فهى أن الهزل أيضا له خطوطه الحمراء، التى لا يسمح لأحد بالاقتراب منها أو تخطيها. ومن يشك فى ذلك ففى تجربة باسم يوسف عبرة لمن يعتبر.
بعد العطلة التى طالت والتأجيل الذى جرى تبريره بأعذار عدة. كان من بينها عدم تعكير صفو الانتخابات الرئاسية بما قد يؤثر على الرأى العام، الذى قد يستقبل الهزل باعتباره نوعا من الجد غير المرحب به فى تلك الظروف. بعد كل ذلك حان موعد العودة الى بث البرنامج يوم الجمعة 30 مايو. إلا أن اللغط بدأ يثار حول مصيره. إذ ترددت شائعات أن العطلة (أو التعطيل) ستستمر إلى أجل آخر، فى حين تحدثت شائعات أخرى عن إلغاء البرنامج تماما. وقوى من الشائعات الأخيرة أن اعلاميا سعوديا اجرى اتصالا هاتفيا جرى بثه مع إحدى قنوات الفلول المصرية قال خلاله إن خادم الحرمين أمر بألا تبث قناة سعودية (يقصد إم. بى.سى) برنامج باسم يوسف بدعوى انه يسىء إلى القيادة والجيش فى مصر. وبصرف النظر عن مدى صحة ذلك الادعاء. فإنها كانت المرة الأولى فيما اعلم التى يتدخل فيها العاهل السعودى فيما يجوز أو لا يجوز بثه تليفزيونيا فى مصر. اذ رغم أن ملاك القناة سعوديون إلا أن احدا لم يحسب ما تبثه على المملكة التى نعرف حساسيتها ازاء النقد خصوصا عاقبة التورط فى عدم طاعة ولى الأمر. فى الوقت ذاته فإنه لم يعد سرا أن السلطة الحالية فى مصر لم تكن سعيدة بالبرنامج. وقد عبرت عن امتعاضها منه اكثر من مرة. وهو ما ادى الى تعثر انتظام البث حينا والتشويش على حلقاته فى احيان اخرى كثيرة، الى جانب تعرض باسم يوسف والبرنامج لحملة تشهير وتجريح من جانب ابواق السلطة ومنابر الفلول ودراويش النظام الجديد. مرة بدعوى الغيرة على الفضائل والاخلاق العام، ومرات بدعوى الحفاظ على الثوابت وعدم احترام المقامات والمساس بالمقدسات السياسية.
فيما بدا لنا على الاقل فإن تلك الضغوط بدت وكأنها نوع من الضريبة التى يتعين أن يدفعها صاحب الرأى الحر فى بلادنا خصوصا اذا مارس جرأته ونجح فى تقديم مادته على نحو جذاب ومشوق. جعل البرنامج فى مقام الاعلى مشاهدة والاكثر شهرة والاشد ظرفا فى العالم العربى. إلا أن الضغوط تضاعفت فى الآونة الاخيرة حتى اصبحت تفوق القدرة على الاحتمال، وهو ما عبر عنه باسم يوسف صراحة فى المؤتمر الصحفى الذى عقده مساء الاثنين 2/6، وأعلن فيه توقف البرنامج. إذ قال انه تعب من استمرار المعاناة، ومن حالات التخويف والترهيب، حتى انه لم يعد آمنا على نفسه أو اسرته أو العاملين معه فى البرنامج. وازاء الضغوط التى مورست عليه وعلى البرنامج من كل صوب، فإن استمراره بات متعذرا، حيث لم يعد المناخ العام مستعدا لاحتماله، وهو المناخ الذى وصفه بانه «ازهى عصور الديمقراطية».
الرسالة جاءت صادمة، حيث لم يكن متصورا أن يكون ذلك مصير برنامج ساخر تمتع بجرأة عالية فى تناول الشأن العام، بعد ثورة 25 يناير. وقد مارس تلك الجرأة اللاذعة ازاء رئيس الدولة بصورة اسبوعية طوال السنة التى حكم فيها الدكتور محمد مرسى الذى لم تخل حلقة من نقد ممارساته وإضحاك الملايين عليها. إلا أن صدور اولى الامر لم تعد تحتمله بعد 30 يونيو. حيث ظل يتعرض للضغوط والترهيب طوال الاشهر العشرة الماضية، إلى أن اضطر الى التوقف فى نهاية المطاف.
لم تعد المشكلة مقصورة على اننا حرمنا من نموذج فريد من السخرية السياسية بدد بعض مشاعر الاحباط والكآبة التى باتت تحاصرنا، ذلك أن المشكلة الاكبر تمثلت فى أن الضغوط التى ادت الى تعثر البرنامج ثم افضت الى ايقافه جاءت دالة على أن مؤشر حرية التعبير فى انخفاظ مستمر، وان ضيق الصدر بالنقد لم يعد يحتمل حتى السخرية التى هى احدى صور التنفيس التى لجأ اليها المصريون على مدار تاريخهم، وكل الذى حدث أن باسم يوسف نقلها من الشارع الى التليفزيون. لذلك فإن كل فعله الايقاف انه منع بث البرنامج على التليفزيون. فى حين أن عرضه مستمر فى الشارع. نشهد بذلك التعليقات اللاذعة التى توالت على تويتر بعد المؤتمر الصحفى الذى اعلن فيه الخبر.
هذه خلاصة الرسالة التى تلقيناها مع خبر ايقاف البرنامج. وقد شاءت المقادير أن يذاع الخبر متزامنا مع الاعلان عن اتجاه وزارة الداخلية الى مراقبة وسائل التواصل الاجتماعى. وهو ما يمثل خطوة اخرى فى اتجاه التضييق على حرية التعبير تضيف سببا اخر لاشاعة الخوف حتى بين المواطنين العاديين. أما الدلالة الموجعة فإن ذلك حدث فى توقيت انتهاء الفترة الانتقالية والإعلان الرسمى عن فوز رئيس الجمهورية الجديد. وهو ما يلقى بظلال من الشك لا تساعد كثيرين على التفاؤل بالوضع المستجد.
واذ لا استبعد أن يكون ذلك التزامن من قبيل المصادفات. إلا أن المواطن العادى يعذر اذا ما ربط بينها ورأى فى المستقبل صورة قاتمة، تكاد تجهض ما كان يحلم به منذ قامت ثورة 25 يناير 2011.
فى الجزء الثانى من كتاب «شخصية مصر» للدكتور جمال حمدان فصل عن «الطغيان الفرعونى»، اورد فيه نص رسالة الملك خيتى لابنه مريكارع (حوالى 2000 سنة قبل الميلاد يقول فيها: اذا وجدت فى المدينة رجلا خطرا يتكلم اكثر من اللازم ومثيرا للاضطراب، فاقض عليه واقتله وامح اسمه وازل جنسه وذكراه وانصاره الذين يحبونه، فإن رجلا يتكلم اكثر من اللازم لهو كارثة على المدينة.
حين قرأت تلك العبارة قلت إن على باسم يوسف وفريقه ومحبيه أن يحمدوا الله ويشكروا أولى الأمر، لأنهم تسامحوا كثيرا حين لم ينفذوا وصية الملك خيتى كاملة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وصية الملك خيتى وصية الملك خيتى



GMT 07:12 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سيد... والملّا... والخاتون

GMT 07:10 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زيارة محمّد بن زايد للكويت.. حيث الزمن تغيّر

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

غلق مدرسة المستقبل

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّ الكِرَامَ قليلُ

GMT 07:08 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني... وقبائل الصحافة والفنّ

GMT 07:07 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مع ترمب... هل العالم أكثر استقراراً؟

GMT 07:06 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... ومآلات الشرق الأوسط

GMT 07:05 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

اللغة التى يفهمها ترامب

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon