توقيت القاهرة المحلي 03:39:31 آخر تحديث
  مصر اليوم -

وفودنا «الشعبية»

  مصر اليوم -

وفودنا «الشعبية»

فهمي هويدي


تقديرنا لبعض الذين دعوا للاشتراك فى زفَّة برلين شىء، والادعاء بأنهم يمثلون الشعب المصرى شىء آخر. ثم إنهم حين يصدقون ذلك الادعاء ويسرفون فى الحديث بناء على ذلك بمثابة شىء ثالث. أما الشىء الرابع فهو أن تنطلى القصة على الألمان فيتصورون أن هؤلاء حقا هم الممثلون الشرعيون للشعب المصرى.

أقول ذلك بمناسبة التصريحات التى نشرتها الصحف المصرية عن تمثيل الوفد الشعبى لطوائف المصريين وأطيافهم المختلفة. وتلك التى صدرت عن بعض المسافرين الذين اعتبروا انتقاد سفرهم هو عمل «ضد الشعب». بل إن منهم من تصور أنه يقوم بمهمة رسالية من قبيل قول إحدى الفنانات إنها ذاهبة لمحاربة «خفافيش الظلام فى برلين». حتى خطر لى أنها تصورت خفافيش الظلام طيورا حقيقية يمكن ملاحقتها واصطيادها خلال الثمانى والأربعين ساعة التى تستغرقها الزيارة!

أكثر ما همنى فى الموضوع هو ابتذال مصطلح تمثيل الشعب فى ظل الفراغ الحاصل، حيث لا توجد أية جهة تمثيلية يمكن أن يدعى أحد أنها منتخبة من الشعب ولها الحق فى التعبير عنه (استثنى النقابات المهنية التى تمثل العاملين فيها). إذ ليس لدينا مجلس نيابى ولا مجالس محلية حقيقية، بل لم يعد لدينا مؤسسة نص القانون على استقلالها وأتيح لها أن تمارس ذلك الاستقلال على أرض الواقع. فى هذه الأجواء انفتح المجال واسعا لتزوير إرادة الشعب. وصار المسئولون والأبواق الإعلامية الخاضعة لتوجيههم يمارسون حريتهم فى التمسح بالشعب، فيتحدثون تارة أنه قرر كذا أو أمر بكذا أو فوض فى كذا أو أنه أجمع على كذا وكيت.. إلخ. وفى هذا السياق قرأنا فى مناسبات عدة عن أن وفودا شعبية ذهبت إلى هذا البلد أو ذاك، دون أن يعرف أحد أى شعب يمثلون ومن الذى نصبهم أو تخيرهم ليكونوا وكلاء عن المصريين. وإذا كان مستقرا أن الذى يمثل الشعب لابد أن يكون منتخبا منه (هل لابد أن نذكر أن الانتخابات يجب أن تكون حرة ونزيهة؟!)، فقد درج العمل على أن الوفود التى تقدم بحسبانها شعبية تكون فى حقيقة الأمر انتخاب الأجهزة الأمنية وشبكة المصالح غير المرئية. لذلك فإن التسمية الحقيقية لها هى أنها وفود أمنية تشكلت وأجيزت ورتب سفرها بواسطة الأجهزة الأمنية. فى حين أن أصحاب المصالح من رجال الأعمال جاهزون لتغطية النفقات لأسباب وطموحات مفهومة.

هذا الأسلوب يمثل تطورا فى فقه الاحتكار والهيمنة. ذلك أننا إذا كنا قد عرفنا احتكار السلطة حينا من الدهر، فإن أبالسة السياسة بعدما اطمأنوا إلى ذلك فإنهم لم يتورعوا عن احتكار الشعب أيضا. والديمقراطيات الشعبية نموذج فج لذلك، ذلك أنها لا كانت ديمقراطية ولا كانت شعبية، وإنما أصبحت نموذجا للاستبداد الصريح وليس المقنع.

أما النموذج الذى كان أكثر فجاجة فقد قدمه الرئيس الليبى السابق معمر القذافى من خلال بدعة «الجماهيرية» التى جعلها عنوانا لبلده. وادعى آنذاك أن الجماهير هى التى تقرر فى حين لم يكن يتحرك شىء فى البلد أو يتخذ قرار إلا بإشارة منه. ربما لهذا السبب فقد نحت بعض اللغويين مصطلح الشعبوية للتمييز بينها وبين الشعبية. وحين رجعت فى ذلك إلى الأستاذ فاروق شوشة أمين مجمع اللغة العربية قال إن الشعبوية تخريج واجتهاد لجأ إليه الشوام للتفرقة بين الحقيقة والادعاء. فكلمة الشعب أصدق فى التعبير عن عامة الناس. أما الشعبوية فهى تطلق على كل ادعاء يراد نسبته إلى الشعب دون أن يكون تعبيرا أصيلا عنه.

قلت إنها مشكلة أن يصدق الذين تنتخبهم المؤسسة الأمنية أنهم يمثلون الشعب حقا. لأن تلك مشكلة الذين يتم اختيارهم فقط، لأن الشعب الفاهم والواعى لا يأخذ الأمر على محمل الجد. والتعليقات المقذعة التى تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعى خلال اليومين الماضيين على الوفد المسافر إلى ألمانيا دليل على أن الأمر تحول إلى نكتبة وموضوعا للسخرية والتندر. بنفس القدر فإننى أشك كثيرا فى أن الألمان اقتنعوا بأن الوفد المذكور يمثل الشعب المصرى لأن المثقفين والسياسيين على الأقل يعرفون جيدا أن الكلام عن تمثيل الشعب فى مصر لا محل له، لأنه لا توجد مؤسسة تستطيع أن تدعى ذلك. بالتالى فالأمر بالنسبة إليهم لم يكن أكثر من لقطة فولكلورية أريد بها إثارة بعض الضجيج فى برلين للتغطية على نقد بعض سياسييها للأوضاع الداخلية فى مصر. ولست أستبعد أن يكون المراد بها أيضا الاحتفاء بالرئيس السيسى وطمأنته إلى قيام الأجهزة المعنية بالواجب، بأكثر من مخاطبة الألمان وتوجيه رسالة إليهم. وفى كل الأحوال فإن الشعب لم تكن له علاقة بالموضوع. فلا هو انتدب أحدا لكى يسافر نيابة عنه، ولا كان مخاطبا بالترتيبات التى جرى الزج باسمه فيها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وفودنا «الشعبية» وفودنا «الشعبية»



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon