توقيت القاهرة المحلي 15:56:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

يحدث فى الكوكب الآخر

  مصر اليوم -

يحدث فى الكوكب الآخر

فهمي هويدي

رفضت هيئة الإذاعة البريطانية (بى. بى. سى) دعوة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون إلى عدم استخدام اسم الدولة الإسلامية فى تسميتها لتنظيم «داعش». ورد المدير العام للهيئة تونى هول هذه الدعوة فى مقال له، نشر يوم السبت (٤/٧)، بقوله: إن بى بى سى عندما تعرف مجموعة أو مؤسسة فإنها تأخذ فى الاعتبار كيفية تعريفها لنفسها، مشيرا إلى إدراك الهيئة أن استخدام اسم الدولة الإسلامية وحده يعنى وجود هذه الدولة والاعتراف بشرعيتها، وهذا تعبير غير دقيق.. لذلك فإن الهيئة سوف تستخدم من الآن فصاعدا اسم الدولة الإسلامية «المزعومة»، لافتا إلى أن استخدام كلمة «داعش» قد يوحى بأن الهيئة تدعم التنظيم، وهو أمر مخالف لمبدأ الحياد الذى تحرص الإذاعة على الالتزام به.

كان كاميرون قد انتقد فى حديث لإذاعة بى بى سى جرى بثه فى ٢٩ يونيو الماضى هيئة الإذاعة البريطانية لوصفها تنظيم داعش بالدولة الإسلامية، قائلاً: إن التنظيم ليس دولة إسلامية وإنما هو نظام رهيب وهمجى، وبعدما أعلن موقفه وجه ١٢٠ نائبا فى مجلس العموم رسالة إلى الإذاعة المذكورة قالوا فيها إنه «من الواجب عدم استخدام الدولة الإسلامية لأنه يعنى إضفاء الاحترام على المتطرفين الإسلاميين بلا داعٍ»، وطالبوا باستخدام داعش عوضا عنه.

ملاحظة رئيس الحكومة البريطانية مهمة فى ذاتها، ورد مدير الإذاعة البريطانية أهم فى دلالته، فالرجل ــ ديفيد كاميرون ــ على حق فى تحفظه على تسويق مصطلح الدولة الإسلامية، لأنه بالفعل تعبير مضلل وزائف، يشوه الإسلام ويوجه إليه إهانة بالغة. ليس أمام الغربيين فحسب وإنما أمام المسلمين أيضا. (بالمناسبة فإنه من المؤسف والمخجل فى ذات الوقت أن بعض الخصوم فى مجتمعاتنا العربية تصيدوا ممارسات داعش واعتبروها نموذجا يسعى الإسلام السياسى لفرضه. وفى سعيهم لتصفية حساباتهم المحلية وتخويف الناس من الإسلام السياسى، فإنهم ذهبوا إلى أن النموذج الذى قدمته داعش هو المثل الذى يتطلع الجميع لاحتذائه). ولست أشك فى أن رئيس الوزراء البريطانى حين أبدى تحفظه ووجه باستخدام مصطلح «داعش» لم يكن يدافع عن صورة ومفهوم الدولة الإسلامية، وأرجح أنه عارض استخدام تلك اللافتة لكى لا تشكل عنصر جذب لشباب وفتيات المسلمين فى بريطانيا، الذين التحق بعضهم بالفعل بصفوف داعش تأثرا بجاذبية فكرة الخلافة والدولة الإسلامية التى تلهب خيالاتهم.

أما أهمية رد مدير هيئة الإذاعة فتكمن فى أنه دافع عن استقلال تقاليد مؤسسته فى مواجهة رئيس الحكومة، رغم الصلة المعروفة بين الـ«بى بى سى» وبين الخارجية البريطانية. فالرجل لم يعتبر كلام ديفيد كاميرون توجيهات أو أوامر لرئيس السلطة التنفيذية، وإنما هى مجرد وجهة نظر تسمع وتحترم ولا تلزم. وكان الرجل موفقا حين آثر استخدام مصطلح الدولة الإسلامية المزعومة، لأنه جمع بين العنوان الذى اختارته الجماعة لتعرف به نفسها، وبين التقييم الموضوعى لشرعيتها التى لا تزال مجرد ادعاء مفروض بالقوة حتى الآن.

أدرى أن الواقعة بسيطة فى بريطانيا، ولولا أن وكالة الأناضول للأنباء أشارت إليها فى أخبار السبت الماضى لمرت دون أن يشعر بها أحد. لكنى أزعم أنها عميقة الدلالة بالنسبة للقارئ العربى، الذى لابد أن يدهشه أن يطلق رئيس الحكومة توجيها باقتراح معين فيرده مدير الإذاعة وينشر على الملأ حيثيات رفضه له. وفى رده يعتبر أن تقاليد مؤسسته فى حيادها الموروث أهم وأولى بالاتباع من اقتراح رئيس السلطة التنفيذية.

دهشة العربى مبررة، فى ظل غياب مفهوم الفصل بين السلطات وتآكل فكرة استقلال المؤسسات داخل الدولة. صحيح أن الدساتير المكتوبة فى بلادنا درجت على أن تنص على فصل السلطات واستقلال المؤسسات، لكن خبرة الواقع دلت على أن أمثال تلك النصوص ليست سوى عبارات إنشائية أريد بها تجميل الواجهات فى المحافل الدولية. وهى ذات الخبرة التى صكت العبارة التى تقول إن كلام الرئيس رئيس الكلام، بمعنى أنه لا يحتمل نقدا ولا نقضا، وهو آخر كلام. فى السياسة والقانون وفى الحرب والسلم وفى التشريع والقضاء.

فى أهمية الفصل بين السلطات فى النظام الديمقراطى يستشهد رجال القانون بما جرى للرئيس الأمريكى ليندون جونسون، حين أدان وندد بالجرائم البشعة، التى ارتكبتها عصابة من المهووسين، كان يقودهم رجل غريب الأطوار هو تشالز مانسون. وكانت أبرز ضحاياهم الممثلة الأمريكية شارون تايت، التى قتلوها مع آخرين. ذلك أن الرئيس جونسون كان قد أطلق تصريحاته أثناء نظر القضية أمام القضاء عام ١٩٧١. لكنه ما إن فعلها حتى تعرض لعاصفة من الهجوم والتنديد من جانب المحامين، الذين انتقدوا كلامه، واعتبروه تدخلا فى القضاء وإحراجا للمحكمة. وطالبوا الرئيس بأن يلزم حدوده، ويكف عن الكلام فى الموضوع، ليتيح للعدل أن يأخذ مجراه دون تأثير من رئيس الدولة.

حين يقع المرء على مثل هذه القصص، فإنه يستشعر خليطا من مشاعر الحسرة والحزن، لأنه يكتشف أننا نعيش فى كوكب آخر يفتقد إلى الكثير من تقاليد وأعراف العالم المتحضر. الأمر الذى يذكرنا بأننا نعيش حقا فى القرن الواحد والعشرين، لكننا لا ننتمى إليه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يحدث فى الكوكب الآخر يحدث فى الكوكب الآخر



GMT 15:28 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

حماية المريض والطبيب بالحوار

GMT 15:26 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

نفس عميق!

GMT 15:25 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

الأزهر لا سواه لها

GMT 15:24 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

أُسطورةُ فى جباليا!

GMT 15:23 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

شركاء فى الجريمة

GMT 07:13 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

علاقات بشار التي قضت عليه

GMT 07:12 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

«في قبضة الماضي»

GMT 07:11 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

كَذَا فلْيكُنِ الشّعرُ وإلَّا فلَا!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:49 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب

GMT 19:21 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

برشلونة يحتفل بذكرى تتويج ميسي بالكرة الذهبية عام 2010

GMT 11:32 2020 الجمعة ,25 كانون الأول / ديسمبر

دبي تهدي كريستيانو رونالدو رقم سيارة مميز

GMT 04:41 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

وزارة الصحة الروسية تسمح بتغيير نظام اختبار لقاح "Sputnik V"

GMT 21:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

أول تعليق من نيمار بعد قرعة دوري أبطال أوروبا

GMT 06:29 2020 السبت ,17 تشرين الأول / أكتوبر

حمادة هلال يهنئ مصطفي قمر علي افتتاح مطعمه الجديد

GMT 07:23 2020 الجمعة ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الجبس في مصر اليوم الجمعة 16 تشرين أول /أكتوبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon