توقيت القاهرة المحلي 14:34:00 آخر تحديث
  مصر اليوم -

استنكار مفهوم وتجاهل مبرر

  مصر اليوم -

استنكار مفهوم وتجاهل مبرر

فهمي هويدي

أفهم أن تستنكر الجامعة العربية عدم دعوتها لاجتماع باريس الذى عقد لبحث الأزمة الليبية، ودعيت إليه مصر وتركيا والإمارات وقطر. لكننى أفهم أيضا لماذا أقدمت الحكومة الفرنسية على تلك الخطوة. ذلك أن باريس الجادة فى بحث الموضوع دعت الأطراف الفاعلة على الأرض فى ليبيا، ولست أشك فى أن المسئولين الفرنسيين الذين تولوا الأمر حين قلَّبوا صفحات الملف الليبى فإنهم لم يجدوا ذكرا للجامعة العربية. فى حين وجدوا حضورا متباينا لتلك الدول. وأغلب الظن أن أقرانهم أثبتوا ذلك الغياب ليس فى الملف الليبى وحده، ولكنه حاصل أيضا فيما يخص مختلف القضايا العربية الساخنة، وهى التى حيرت المجتمع الدولى، ودفعت الأمين العام للأمم المتحدة إلى تعيين مبعوثين له لمحاولة إطفاء الحرائق المشتعلة فى سوريا واليمن وليبيا.

هذه الخلفية تسوغ لنا أن نقول بأن الفرنسيين سجلوا غياب الجامعة العربية ولم يفتعلوه. بمعنى أنهم غيبوا الطرف الغائب فعلا، لأنه غائب وليس له أى حضور. ولا نريد أن نظلم الجامعة ونحملها بالمسئولية عن الغياب، لأنها لم تتعمد ذلك حقا، وإنما أرغمت عليه. وتلك مسألة تحتاج إلى شرح، لأن الجامعة ليست كيانا مستقلا عن الدول العربية، ولكنها جماع إرادات تلك الدول. وبسبب انهيار النظام العربى وانفراط عقده، فإن الجامعة فقدت وظيفتها وأصبحت كيانا بلا وظيفة وشكلا بلا مضمون، لذلك فالمشكلة كامنة فى الوضع العربى الذى هو الأصل، وليس فى الجامعة التى هى مرآة له. ولأن ذلك من المعلوم بالضرورة فى السياسة العربية، فقد بات مفهوما ومبررا أن تتجه الأنظار فى حل أى مشكلة صوب الأطراف التى يظن أنها فاعلة وذات صلة بالمشكلة، الأمر الذى يخرج الجامعة العربية من الحسبان ويبقيها فى مقاعد المتفرجين.

لقد عقد مجلس الجامعة العربية اجتماعا لبحث الموقف فى سوريا، بعدما أصبحت حلب تذبح كل يوم وصارت المدن الأخرى تتعرض للحصار والتهديم والخراب. ولم يتحرك مجلس الجامعة إلا بعدما طلبت ذلك دولة الكويت بعد مضى أكثر من ثلاثة أسابيع من الصمت العربى إزاء استمرار حملة محو حلب من الخريطة وتفريغها من سكانها. وما يحدث فى سوريا ليس مختلفا كثيرا عن الحاصل فى اليمن، وأغلب الظن أن الصمت والتجاهل كان يمكن أن يشملا الوضع الليبى أيضا، لولا وجود النفط واهتمام الدول الأوروبية بمصيره وعوائده.

إذا شئنا أن نتصارح أكثر فسنقول إن الجامعة العربية صارت صفرا. لأن الدول العربية باتت تعد أصفارا فى الساحة الدولية. هى أرقام كبيرة فقط فى مواجهة معارضيها وشعوبها، لكنها أصفار خارج حدودها. وتلك حقيقة يتعين الاعتراف بها بعدما صار العالم العربى جسما بلا رأس، وشراذم منكفئة على ذاتها، وعاجزة عن تجاوز مواطئ أقدامها. الأمر الذى سوغ لبعض الباحثين الغربيين أن يديروا فى الوقت الراهن حوارا حول ما أسموه «عصر ما بعد العرب».

ليس ذلك قدرا مكتوبا ولا مصيرا محتوما، لأن بوسع العرب إذا أرادوا أن يستردوا مكانتهم وعافيتهم ومن ثم أن يثبتوا جدارتهم إذا ما تلمسوا أسباب الحضور وانخرطوا فى مسيرة التاريخ. وليس فى ذلك سر، لأن مصادر القوة وأسبابها معروفة وهى فى متناول الجميع. ذلك أن ألف باء القوة فى السياسة أن تستقوى الأنظمة بشعوبها، فى حين أنها فى بلادنا تستقوى على شعوبها. وتلك هى الخطوة الأولى للخروج من التاريخ.

إننا لا ينبغى أن نلوم الجامعة العربية إذا تم تجاهلها، لكننا لا نستطيع أن نلوم الفرنسيين إذا هم تجاهلوها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استنكار مفهوم وتجاهل مبرر استنكار مفهوم وتجاهل مبرر



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 08:35 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

دفاتر النكسة

GMT 08:31 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

نتنياهو يغير «حزب الله»

GMT 08:27 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

بعد تحوّل حرب غزّة.. إلى حرب "بيبي"

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon