توقيت القاهرة المحلي 17:35:27 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عارنا فى حلب

  مصر اليوم -

عارنا فى حلب

بقلم فهمي هويدي

جددت حلب شعورنا بالخزى والخجل. فآلة القتل والفتك الدائرة فى سوريا منذ خمس سنوات جعلتنا نألف الموت ونتعايش مع طقوسه اليومية، كأنما صار جزءا من حياتنا الرتيبة. إذ ما عادت تؤرقنا صور الدمار أو تفزعنا صور الجثث والأشلاء. وما عادت أسماعنا تلتقط استغاثات الضحايا وحشرجات المكلومين. شوهت الحرب حواسنا وأصابت مشاعرنا بالتبلد.
حتى عار السكوت العربى إزاء ما يجرى لم يعد يفاجئنا. إلا أن الانقضاض على حلب وتحويل «الشهباء» إلى خرائب وأنقاض، بدا مروعا وفاق قدرة البشر على الاحتمال. فضلا عن رمزية المدينة التى تعد بين الأعرق فى مدن العالم والأجمل بين حواضره، والأهم فى بلاد الشام والأكثر حضورا والأوفر حيوية بين المدن السورية قاطبة. حين أصبح ذلك كله هدفا للقصف المجنون والبراميل المتفجرة. فإنه أيقظ ما كان كامنا فينا من مشاعر الخزى والخجل. وأزاح غطاء البلادة الذى ران عليها وسترها، منذ وقفنا متفرجين على سوريا وهى تتآكل وتنتحر، وعلى شعبها وهو يخير بين موت البقاء أو موت الهجرة عبر البحر، وظللنا طوال الوقت عاجزين عن أن نجنب البلد الدمار أو أن نحتضن شعبه ونجنب أبناءه مذلة الغربة والتشرد.

حين طالع الناس صورة طفل ميت ألقاه موج البحر على الشاطئ. اهتزت المشاعر لبعض الوقت ثم نسى الموضوع لاحقا. ذلك أن الناس رأوا الصورة ولم يروا الشعب وتأثروا لموت الطفل ولم يدركوا أنه رمز لكارثة أعظم وأفدح.

فى العام الأول للثورة السورية ظلت حلب خارج الصورة حتى أثير لغط كبير حول موقفها، لكن التفجير الكبير الذى استهدف بعض مواقع السلطة فى العام الثانى كان بداية انخراط حلب فى المعركة، الأمر الذى حولها إلى إحدى جبهات الصراع. فسيطر الثوار على المناطق الشرقية من المدينة، فى حين أحكمت السلطة سيطرتها على المناطق الغربية. وبسبب قرب الشرق من الحدود التركية فإن ذلك وفر للثوار خطوط إمداد مفتوحة عززت من خلالها مواقعهم. وإذ تغيرت موازين القوى فى الآونة الأخيرة بعد تدخل الطيران الروسى فإن نظام دمشق الذى أفشل المفاوضات فى جينيف سعى لانتهاز الفرصة لكى يوجه ضربات قوية ليس لمواقع الثوار فحسب ولكن أيضا للبنى التحتية فى المناطق التى يسيطرون عليها، بالتالى ففى حين تولى الطيران القصف من الجو فإن القوات المتمركزة على الأرض كثفت من هجومها على التجمعات المدنية التى استهدفت مراكز الخدمات وأبرزها مستشفى القدس الذى دمر على رءوس أطبائه ومرضاه. وقيل فى هذا الصدد أن تشديد الهجوم أريد له أن يحقق ثلاثة أهداف هى: إضعاف الحاضنة الشعبية للثوار ــ قطع أوصال المعارضة وقطع خطوط إمدادها المفتوحة أمام الدعم التركى ــ إجبار السكان على المغادرة وتفريغ المدينة لتصبح من نصيب الميليشيات، وذكر البعض أن وراء ذلك حسابات مذهبية لصالح العلويين.

حين قصفت قوات النظام مواقع الثوار فإنهم ردوا عليهم بالمثل. وترتب على ذلك أن استمرت عملية التدمير فى شرق المدينة وغربها. من ناحية أخرى فإن الثوار بدوا فى موقف حرج لأنهم أصبحوا يحاربون على ثلاث جبهات هى: النظام السورى، والوحدات الكردية التى تسعى إلى التمدد لإقامة منطقة للحكم الذاتى متاخمة للحدود التركية ــ ثم تنظيم الدولة الإسلامية المسيطرة على المناطق المتاخمة.

فى كل الأحوال فإن تشديد الهجوم على حلب هدفه إحداث منعطف فى مسار الثورة السورية، يراد به توجيه ضربة موجعة للثوار تغير من موازين القوى على الأرض، ومن شأن ذلك أن يكون له صداه فى محادثات الحل السياسى المفترضة، التى يرعاها الأمريكان مع الروس، ولأن الأولين مشغولون بالانتخابات الرئاسية، فإن كفة الروس ستظل راجحة حتى تفيق واشنطن وتصبح فى موقف يسمح لها بتوجيه بعض الاهتمام للشرق الأوسط ولمحادثات جينيف، وهو ما يتوقع له البعض أن يحدث فى ربيع العام المقبل، وحتى ذلك الحين فإن الصراع لن يتوقف على الأرض، وسوف ينتهز الروس الفرصة لتعزيز التغيير فى موازين القوى، خصوصا بعدما دفعت إيران لأول مرة منذ قيام الثورة بوحدات من جيشها النظامى لمساندة نظام الأسد، وهو تحليل إذا صح فهو يعنى أن الثوار السوريين سيظلون فى موقف يزداد حرجا، كما يعنى أن معاناة السوريين سوف تستمر وصمودهم سيصبح صعبا ومكلفا، وبموازاة ذلك كله سيظل شعورنا بالخزى والخجل مستمرا، لأن أنظمة العرب وجامعتهم وقمتهم ستظل الغائب الأكبر عن المشهد والعاجز الأكبر عن أى فعل إيجابى. أما شعوب العرب فلا يكفى أن يكفكفوا الدمع ويبتهلوا إلى الله أن يزيل الغمة عن سوريا، وإنما يظل مجتمعهم المدنى ــ إن وجد ــ مطالبا بأن يؤدى دورا فاعلا فى استيعاب المهاجرين ورعايتهم والدفاع عن حقوقهم المهدورة فى الأقطار العربية. إذ من البؤس المخجل أن ترتفع بيننا الأصوات داعية المجتمع الدولى لأن يتحمل مسئولياته إزاءهم، لأن من حق أى مسئول أو مواطن فى المجتمع المذكور ان يتساءل: لماذا لا يقدم العرب بما عليهم قبل أن يطالبوا غيرهم بذلك؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عارنا فى حلب عارنا فى حلب



GMT 12:48 2016 الأحد ,11 كانون الأول / ديسمبر

بشرى للاعبين المحليين

GMT 14:24 2016 الجمعة ,09 كانون الأول / ديسمبر

هل الكتابة خدعة؟

GMT 14:23 2016 الأربعاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

أحرجتنا ماليزيا

GMT 11:38 2016 الثلاثاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

الإصلاح السياسى مقدم على الإصلاح الدينى

GMT 12:04 2016 الخميس ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

التغريبة الثالثة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon