توقيت القاهرة المحلي 12:49:19 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لا تبتذلوا دماء الشهداء

  مصر اليوم -

لا تبتذلوا دماء الشهداء

فهمي هويدي

لم يكن أسبوعا مبهجا ولا مطمئنا، إذ فى بدايته هبت عاصفة حديث رجل التوك توك المسكونة بشحنة عالية من الغضب والغيرة إزاء ما انتهى إليه الحال فى مصر، أتحدث عن حوار الدقائق الثلاث الذى ترددت أصداؤه بقوة وسرعة فى الفضاء المصرى، الأمر الذى أسفر عن إلغاء البرنامج الذى بث الفقرة، ووقف صاحبه الإعلامى عمرو الليثى، الذى قيل إنه أعطى إجازة مفتوحة. بعد ذلك شاهدنا فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعى ظهرت فيه سيدة عبرت عن مشاعر الغضب والسخط ذاتها. ولم تمض أيام قليلة حتى أشعل أحد الأشخاص النار فى جسده بالإسكندرية، وقيل فى البداية إنه حاول الانتحار يأسا من قدرته على الاستمرار فى الحياة بسبب الغلاء الفاحش، لكن الأجهزة الأمنية سارعت إلى نفى ذلك وأرجعت انتحاره إلى أسباب أخرى، وكان سكندرى آخر قد سبقه إلى الجلوس شبه عارٍ فى أحد شوارع قلب المدينة وهو يصيح معلنا أنه لم يعد قادرا على تحصيل قوت يومه ومطالبا الحكومة بأن تحل مشكلته.

فى الأسبوع ذاته انتقدت إحدى الإعلاميات وزيرة فى الحكومة، ففسخت القناة التليفزيونية عقدها واختفت من على الشاشة. ومنعت جريدة الأهرام العامود اليومى للدكتور أسامة الغزالى حرب الذى انتقد فيه مشروع العاصمة الإدارية، فتوقف عن الكتابة وانتقل إلى جريدة أخرى خاصة. كما منعت نقابة الصحفيين ندوة صالون إحسان عبدالقدوس، لأول مرة منذ عشرين عاما، لأنها كانت مخصصة لمناقشة سياسة الحكومة إزاء المشروعات الكبرى.

إلا أن ما صدمنا حقا وأشاع جوا من الحزن فى بر مصر، كان ما جرى فى سيناء حيث تم قتل ١٣ جنديا فى هجوم شنته مجموعة مسلحة، وجرى صده مما أسفر عن مقتل ١٦ شخصا من المهاجمين. وهو الاشتباك الذى أعقبته حملة تطهير للبؤر الإرهابية شاركت فيها طائرات أباتشى وإف ١٦. وعد ذلك حلقة فى الصراع المحير الدائر هناك منذ ثلاث سنوات، الذى أغرق سيناء فى بحر من الدماء، فى حين لم تعرف له نهاية.

هذه الأحداث المتلاحقة جاءت محملة بإشارات سلبية تشيع درجات متفاوتة من البلبلة والقنوط، وتضيف إلى فضائنا الرمادى سحابات كثيفة تشكل خصما على الحاضر وتحجب منافذ التفاؤل بالمستقبل. يضاعف من القلق أنه لا يتم التعامل مع تلك الأحداث بما تستحقه من جدية ومسئولية. فبدلا من استلام الرسائل وتحليل مضمونها والتفكير فى معالجة أسباب الغضب الذى تبثه، فإننا نشهد أصداء تعبر عنها وسائل الإعلام الأمنى، تتراوح بين التجاهل والإنكار والتشويه. ذلك طبعا بخلاف إجراءات القمع والمصادرة، التى عبرت عن الإصرار على دفن الرءوس فى الرمال، مع الاستمرار فى معاقبة من يجرؤ على الكلام ويأخذ حريته فى التعبير، وشمل الهجوم والتنديد وسائل التواصل الاجتماعى باعتبارها الفضاء الأوسع لتداول تعليقات الجمهور الذى جاء أغلبها مؤيدا ومتضامنا مع ما قيل عن أسباب الغضب ومسوغات خيبة الأمل.

استغربت مسارعة الأبواق الأمنية إلى الإعلان عن أن الرجل الذى حاول الانتحار فى الإسكندرية «مسجل خطر»، بما يصرف الانتباه عن قضية الغلاء التى قصمت ظهور ملايين المصريين. لكن أغرب ما صدر ضمن تلك الأصداء كان مطالبة الغاضبين بالصمت احتراما لدماء الشهداء الذين سقطوا فى سيناء. وهى رسالة أريد بها الإيهام بأن الشكوى من تدهور أحوال المعيشة ينتهك حرمة دماء الشهداء وينال من جلال اللحظة. وكأن السكوت وابتلاع الغضب واختزان الوجع، وحده الذى يعبر عن احترام تضحيات الجنود والضباط ويحفظ لدماء الشهداء حرمتها. فى حين أن استخدام دماء الشهداء ذريعة لإسكات أصوات الغاضبين هو ما يبتذلها حقا وينتهك حرمتها، الأمر الذى يسوغ لى أن أدخله ضمن الإتجار غير المشروع بتلك الدماء الذى لا يجوز ولا يليق.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا تبتذلوا دماء الشهداء لا تبتذلوا دماء الشهداء



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 08:35 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

دفاتر النكسة

GMT 08:31 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

نتنياهو يغير «حزب الله»

GMT 08:27 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

بعد تحوّل حرب غزّة.. إلى حرب "بيبي"

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon