فهمي هويدي
لم يكن أسبوعا مبهجا ولا مطمئنا، إذ فى بدايته هبت عاصفة حديث رجل التوك توك المسكونة بشحنة عالية من الغضب والغيرة إزاء ما انتهى إليه الحال فى مصر، أتحدث عن حوار الدقائق الثلاث الذى ترددت أصداؤه بقوة وسرعة فى الفضاء المصرى، الأمر الذى أسفر عن إلغاء البرنامج الذى بث الفقرة، ووقف صاحبه الإعلامى عمرو الليثى، الذى قيل إنه أعطى إجازة مفتوحة. بعد ذلك شاهدنا فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعى ظهرت فيه سيدة عبرت عن مشاعر الغضب والسخط ذاتها. ولم تمض أيام قليلة حتى أشعل أحد الأشخاص النار فى جسده بالإسكندرية، وقيل فى البداية إنه حاول الانتحار يأسا من قدرته على الاستمرار فى الحياة بسبب الغلاء الفاحش، لكن الأجهزة الأمنية سارعت إلى نفى ذلك وأرجعت انتحاره إلى أسباب أخرى، وكان سكندرى آخر قد سبقه إلى الجلوس شبه عارٍ فى أحد شوارع قلب المدينة وهو يصيح معلنا أنه لم يعد قادرا على تحصيل قوت يومه ومطالبا الحكومة بأن تحل مشكلته.
فى الأسبوع ذاته انتقدت إحدى الإعلاميات وزيرة فى الحكومة، ففسخت القناة التليفزيونية عقدها واختفت من على الشاشة. ومنعت جريدة الأهرام العامود اليومى للدكتور أسامة الغزالى حرب الذى انتقد فيه مشروع العاصمة الإدارية، فتوقف عن الكتابة وانتقل إلى جريدة أخرى خاصة. كما منعت نقابة الصحفيين ندوة صالون إحسان عبدالقدوس، لأول مرة منذ عشرين عاما، لأنها كانت مخصصة لمناقشة سياسة الحكومة إزاء المشروعات الكبرى.
إلا أن ما صدمنا حقا وأشاع جوا من الحزن فى بر مصر، كان ما جرى فى سيناء حيث تم قتل ١٣ جنديا فى هجوم شنته مجموعة مسلحة، وجرى صده مما أسفر عن مقتل ١٦ شخصا من المهاجمين. وهو الاشتباك الذى أعقبته حملة تطهير للبؤر الإرهابية شاركت فيها طائرات أباتشى وإف ١٦. وعد ذلك حلقة فى الصراع المحير الدائر هناك منذ ثلاث سنوات، الذى أغرق سيناء فى بحر من الدماء، فى حين لم تعرف له نهاية.
هذه الأحداث المتلاحقة جاءت محملة بإشارات سلبية تشيع درجات متفاوتة من البلبلة والقنوط، وتضيف إلى فضائنا الرمادى سحابات كثيفة تشكل خصما على الحاضر وتحجب منافذ التفاؤل بالمستقبل. يضاعف من القلق أنه لا يتم التعامل مع تلك الأحداث بما تستحقه من جدية ومسئولية. فبدلا من استلام الرسائل وتحليل مضمونها والتفكير فى معالجة أسباب الغضب الذى تبثه، فإننا نشهد أصداء تعبر عنها وسائل الإعلام الأمنى، تتراوح بين التجاهل والإنكار والتشويه. ذلك طبعا بخلاف إجراءات القمع والمصادرة، التى عبرت عن الإصرار على دفن الرءوس فى الرمال، مع الاستمرار فى معاقبة من يجرؤ على الكلام ويأخذ حريته فى التعبير، وشمل الهجوم والتنديد وسائل التواصل الاجتماعى باعتبارها الفضاء الأوسع لتداول تعليقات الجمهور الذى جاء أغلبها مؤيدا ومتضامنا مع ما قيل عن أسباب الغضب ومسوغات خيبة الأمل.
استغربت مسارعة الأبواق الأمنية إلى الإعلان عن أن الرجل الذى حاول الانتحار فى الإسكندرية «مسجل خطر»، بما يصرف الانتباه عن قضية الغلاء التى قصمت ظهور ملايين المصريين. لكن أغرب ما صدر ضمن تلك الأصداء كان مطالبة الغاضبين بالصمت احتراما لدماء الشهداء الذين سقطوا فى سيناء. وهى رسالة أريد بها الإيهام بأن الشكوى من تدهور أحوال المعيشة ينتهك حرمة دماء الشهداء وينال من جلال اللحظة. وكأن السكوت وابتلاع الغضب واختزان الوجع، وحده الذى يعبر عن احترام تضحيات الجنود والضباط ويحفظ لدماء الشهداء حرمتها. فى حين أن استخدام دماء الشهداء ذريعة لإسكات أصوات الغاضبين هو ما يبتذلها حقا وينتهك حرمتها، الأمر الذى يسوغ لى أن أدخله ضمن الإتجار غير المشروع بتلك الدماء الذى لا يجوز ولا يليق.