فهمي هويدي
أيصح حين نحاول تأهيل الشباب المصرى لقيادة المستقبل أن ندعوهم إلى محاكاة البرلمان؟ إذ بدلا من أن ندارى عليه ونقوم بواجب الستر المطلوب لمثل حالته، فإننا نستدعى ملفه ونفتحه أمام الشباب كى يتذكروا كيف شكلته الأجهزة الأمنية وكيف يدار بحيث تخصص فى التصفيق والموافقة، وكيف صار ممثلا للحكومة دون الشعب. ثم إننى لا أعرف ماذا تكون الإجابة لو أن أحد الشبان عنَّ له أن يسأل عما فعله البرلمان فى الرقابة على الحكومة ومحاسبتها، أو عن سبب تجاهله للقضايا الكبرى المثارة فى مصر، من مسألة الجزيرتين إلى سد النهضة مرورا بأزمة الدولار والفشل المشهود فى الدفاع عن الجنيه المصرى.. إلى غير ذلك من الأسئلة المحرجة المسكوت عليها، التى تنكأ جراحا تصيب الشباب بالإحباط واليأس، وتشجعهم على الهجرة من البلد وليس على المشاركة فى مستقبله.
ما دعانى إلى إثارة الموضوع أن جريدة «الأهرام» الصادرة فى ٣١ يوليو تحدثت فى العناوين الرئيسية للصفحة الأولى عن «انطلاق مشاركة الشباب فى صنع القرار»، وزفت إلينا خبر بدء المنتدى الأول لمحاكاة الدولة المصرية لطلاب البرنامج الرئاسى. وفهمنا من التفاصيل المنشورة أن مصدر الخبر هو المكتب الإعلامى برئاسة الجمهورية، وأن دورة المنتدى المذكور بدأت بالفعل صبيحة ذلك اليوم (٣١ يوليو)، بما يعنى أن عملية تأهيل الشباب على القيادة والمشاركة فى صنع القرار دخلت التنفيذ. وفى هذا الإطار تم تصميم دورة المنتدى بحيث تضمنت ١٩ نموذج محاكاة تمثل جميع مؤسسات وأجهزة الدولة من الحكومة ومجلس النواب والأجهزة الرقابية، إضافة إلى ٣٥ ورشة عمل مختلفة تشمل جميع قطاعات الدولة، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وإداريا. أضاف نص الخبر المنشور أن المحاكاة يفترض أن تنفذ على ثلاث منتديات منفصلة، يتضمن كل منها عروضا لعدد من أنظمة المحاكاة للحكومة ومجلس النواب التى تناقش بعض القضايا والتحديات التى تواجه الدولة، بالإضافة إلى قياس قدرات الدارسين على إدارة الأزمات. إلى غير ذلك من التفاصيل التى استوقفتنى منها إشارة طريفة إلى أنه من «المقرر» أن تشهد المنتديات مناقشات ساخنة بين طلاب البرنامج والوزراء. إذ لم أفهم من الذى قرر ذلك وكيف سيتولى منظمو البرنامج «تسخين» المناقشات.
للخبر فضل تذكيرنا بحكاية «عام الشباب» التى أطلقت فى شهر يناير الماضى، لكننا نسيناها طوال الأشهر السبعة التالية، وشغلتنا عنها مظاهرات الشباب ومحاكماتهم ومعاناتهم فى السجون ومراكز الشرطة. الأهم من ذلك أن العناوين المنشورة ذكرتنا أيضا بمسألة المشاركة فى القرار، التى نسيناها بدورها حين أقنعتنا الممارسة العملية بأننا لسنا طرفا فيها. وإن «الجهات السيادية» نهضت بها نيابة عنا، ولا أستبعد أن يكون ذلك قد أصبح من المسلمات التى استقرت بحيث اتجه التفكير إلى تجاوز أجيالنا واستبعادها من فكرة المشاركة، ثم المراهنة فى ذلك على الشباب المعول عليهم فى صناعة المستقبل.
لدى كلمتان فى الموضوع. الأولى أن فى نفسى شيئا من الفكرة من أساسها التى تحفظت عليها فى حينها. إذ لست مقتنعا لا بفكرة تأهيل الشباب للمشاركة فى صنع القرار من خلال برنامج موضوع ومحاضرات تلقى ومنتديات تعقد. ولا بتولى رئاسة الجمهورية تلك المهمة. ذلك أن المشاركة فى القرار لا تتم بالتلقين ولكنها جزء من الثقافة السياسية للمجتمع التى تفرزها أجواء الممارسة الديمقراطية. وهذه إذا أخذت على محمل الجد فإنها تستدعى المجتمع كله إلى المشاركة من خلال المؤسسات المنتخبة، بحيث لا يكون الأمر مقصورا على الشباب دون غيرهم. ثم إنه ليس مفهوما أن يدرب الشباب على المشاركة فى حلقات البحث والمناقشة، ثم يقمع فى الجامعة أو يتهم ويتعرض للحبس إذا خرج فى مسيرة سلمية دفاعا عن الوطن. ولنا عبرة فيما حدث فى انتخابات اتحاد طلاب مصر حين انتخب الطلاب مجلسا لم ترض عنه الأجهزة الأمنية، فرفض وزير التعليم العالى اعتماد النتيجة، الأمر الذى وجه إلى الجميع رسالة سلبية تثبطهم وتدعوهم إلى العزوف عن المشاركة وليس الإقدام عليها.
على صعيد آخر، فإن تصدى الرئاسة لهذه المهمة فى حين يفترض انشغالها بالسياسات والاستراتيجيات العليا يحملها بما لا تطالب به وبما هو فوق طاقتها. بل إنه يستهلك تلك الطاقة فى مجالات يفترض أن تنهض بها جهات أخرى. وهو ما يسوغ لنا أن نتساءل مثلا: إذا كانت الرئاسة ستتولى تأهيل الشباب للمشاركة والقيادة. فما الذى تفعله وزارة الشباب إذن أو وزارة التعليم العالى أو غيرها من منظمات المجتمع المدنى.
الكلمة الثانية تتعلق بفكرة محاكاة مؤسسات الدولة التى خص بيان المكتب الإعلامى الرئاسى بالذكر ثلاثة منها هى الحكومة ومجلس النواب والأجهزة الرقابية. ذلك أنى لست واثقا من أن تلك المؤسسات هى أفضل ما يشجع الشباب على المشاركة. وإذا كنت قد أشرت إلى نموذج مجلس النواب فإن ورطة الحكومة فى أزمة الدولار وموجة الغلاء لا يمكن تجاهلها فى رسم الصورة. أما قصة المستشار هشام جنينة الذى خاض معركته ضد الفساد أثناء رئاسته لجهاز المحاسبات، الأمر الذى أدى إلى عزله والحكم بسجنه مدة عام فتقدم صورة سلبية لدور وحدود حركة الأجهزة الرقابية أو بعضها على الأقل.
إن استدعاء النماذج قد يستهدف الحفاوة بها واحتذاءها، وقد يكون الهدف منه التعلم من سلبياتها وتجنب مثالبها، ولا أعرف بالضبط الهدف الذى وضعه البرنامج من وراء محاكاة تلك المؤسسات، لكنى أقرر فقط أن المؤسسات المشار إليها لا تشجع ولا تصلح كنماذج مرشحة للاحتذاء فضلا عن الحفاوة.