توقيت القاهرة المحلي 18:22:31 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كلمتان فى المشاركة

  مصر اليوم -

كلمتان فى المشاركة

فهمي هويدي

أيصح حين نحاول تأهيل الشباب المصرى لقيادة المستقبل أن ندعوهم إلى محاكاة البرلمان؟ إذ بدلا من أن ندارى عليه ونقوم بواجب الستر المطلوب لمثل حالته، فإننا نستدعى ملفه ونفتحه أمام الشباب كى يتذكروا كيف شكلته الأجهزة الأمنية وكيف يدار بحيث تخصص فى التصفيق والموافقة، وكيف صار ممثلا للحكومة دون الشعب. ثم إننى لا أعرف ماذا تكون الإجابة لو أن أحد الشبان عنَّ له أن يسأل عما فعله البرلمان فى الرقابة على الحكومة ومحاسبتها، أو عن سبب تجاهله للقضايا الكبرى المثارة فى مصر، من مسألة الجزيرتين إلى سد النهضة مرورا بأزمة الدولار والفشل المشهود فى الدفاع عن الجنيه المصرى.. إلى غير ذلك من الأسئلة المحرجة المسكوت عليها، التى تنكأ جراحا تصيب الشباب بالإحباط واليأس، وتشجعهم على الهجرة من البلد وليس على المشاركة فى مستقبله.

ما دعانى إلى إثارة الموضوع أن جريدة «الأهرام» الصادرة فى ٣١ يوليو تحدثت فى العناوين الرئيسية للصفحة الأولى عن «انطلاق مشاركة الشباب فى صنع القرار»، وزفت إلينا خبر بدء المنتدى الأول لمحاكاة الدولة المصرية لطلاب البرنامج الرئاسى. وفهمنا من التفاصيل المنشورة أن مصدر الخبر هو المكتب الإعلامى برئاسة الجمهورية، وأن دورة المنتدى المذكور بدأت بالفعل صبيحة ذلك اليوم (٣١ يوليو)، بما يعنى أن عملية تأهيل الشباب على القيادة والمشاركة فى صنع القرار دخلت التنفيذ. وفى هذا الإطار تم تصميم دورة المنتدى بحيث تضمنت ١٩ نموذج محاكاة تمثل جميع مؤسسات وأجهزة الدولة من الحكومة ومجلس النواب والأجهزة الرقابية، إضافة إلى ٣٥ ورشة عمل مختلفة تشمل جميع قطاعات الدولة، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وإداريا. أضاف نص الخبر المنشور أن المحاكاة يفترض أن تنفذ على ثلاث منتديات منفصلة، يتضمن كل منها عروضا لعدد من أنظمة المحاكاة للحكومة ومجلس النواب التى تناقش بعض القضايا والتحديات التى تواجه الدولة، بالإضافة إلى قياس قدرات الدارسين على إدارة الأزمات. إلى غير ذلك من التفاصيل التى استوقفتنى منها إشارة طريفة إلى أنه من «المقرر» أن تشهد المنتديات مناقشات ساخنة بين طلاب البرنامج والوزراء. إذ لم أفهم من الذى قرر ذلك وكيف سيتولى منظمو البرنامج «تسخين» المناقشات.

للخبر فضل تذكيرنا بحكاية «عام الشباب» التى أطلقت فى شهر يناير الماضى، لكننا نسيناها طوال الأشهر السبعة التالية، وشغلتنا عنها مظاهرات الشباب ومحاكماتهم ومعاناتهم فى السجون ومراكز الشرطة. الأهم من ذلك أن العناوين المنشورة ذكرتنا أيضا بمسألة المشاركة فى القرار، التى نسيناها بدورها حين أقنعتنا الممارسة العملية بأننا لسنا طرفا فيها. وإن «الجهات السيادية» نهضت بها نيابة عنا، ولا أستبعد أن يكون ذلك قد أصبح من المسلمات التى استقرت بحيث اتجه التفكير إلى تجاوز أجيالنا واستبعادها من فكرة المشاركة، ثم المراهنة فى ذلك على الشباب المعول عليهم فى صناعة المستقبل.

لدى كلمتان فى الموضوع. الأولى أن فى نفسى شيئا من الفكرة من أساسها التى تحفظت عليها فى حينها. إذ لست مقتنعا لا بفكرة تأهيل الشباب للمشاركة فى صنع القرار من خلال برنامج موضوع ومحاضرات تلقى ومنتديات تعقد. ولا بتولى رئاسة الجمهورية تلك المهمة. ذلك أن المشاركة فى القرار لا تتم بالتلقين ولكنها جزء من الثقافة السياسية للمجتمع التى تفرزها أجواء الممارسة الديمقراطية. وهذه إذا أخذت على محمل الجد فإنها تستدعى المجتمع كله إلى المشاركة من خلال المؤسسات المنتخبة، بحيث لا يكون الأمر مقصورا على الشباب دون غيرهم. ثم إنه ليس مفهوما أن يدرب الشباب على المشاركة فى حلقات البحث والمناقشة، ثم يقمع فى الجامعة أو يتهم ويتعرض للحبس إذا خرج فى مسيرة سلمية دفاعا عن الوطن. ولنا عبرة فيما حدث فى انتخابات اتحاد طلاب مصر حين انتخب الطلاب مجلسا لم ترض عنه الأجهزة الأمنية، فرفض وزير التعليم العالى اعتماد النتيجة، الأمر الذى وجه إلى الجميع رسالة سلبية تثبطهم وتدعوهم إلى العزوف عن المشاركة وليس الإقدام عليها.

على صعيد آخر، فإن تصدى الرئاسة لهذه المهمة فى حين يفترض انشغالها بالسياسات والاستراتيجيات العليا يحملها بما لا تطالب به وبما هو فوق طاقتها. بل إنه يستهلك تلك الطاقة فى مجالات يفترض أن تنهض بها جهات أخرى. وهو ما يسوغ لنا أن نتساءل مثلا: إذا كانت الرئاسة ستتولى تأهيل الشباب للمشاركة والقيادة. فما الذى تفعله وزارة الشباب إذن أو وزارة التعليم العالى أو غيرها من منظمات المجتمع المدنى.

الكلمة الثانية تتعلق بفكرة محاكاة مؤسسات الدولة التى خص بيان المكتب الإعلامى الرئاسى بالذكر ثلاثة منها هى الحكومة ومجلس النواب والأجهزة الرقابية. ذلك أنى لست واثقا من أن تلك المؤسسات هى أفضل ما يشجع الشباب على المشاركة. وإذا كنت قد أشرت إلى نموذج مجلس النواب فإن ورطة الحكومة فى أزمة الدولار وموجة الغلاء لا يمكن تجاهلها فى رسم الصورة. أما قصة المستشار هشام جنينة الذى خاض معركته ضد الفساد أثناء رئاسته لجهاز المحاسبات، الأمر الذى أدى إلى عزله والحكم بسجنه مدة عام فتقدم صورة سلبية لدور وحدود حركة الأجهزة الرقابية أو بعضها على الأقل.

إن استدعاء النماذج قد يستهدف الحفاوة بها واحتذاءها، وقد يكون الهدف منه التعلم من سلبياتها وتجنب مثالبها، ولا أعرف بالضبط الهدف الذى وضعه البرنامج من وراء محاكاة تلك المؤسسات، لكنى أقرر فقط أن المؤسسات المشار إليها لا تشجع ولا تصلح كنماذج مرشحة للاحتذاء فضلا عن الحفاوة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كلمتان فى المشاركة كلمتان فى المشاركة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 08:35 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

دفاتر النكسة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon