بقلم فهمي هويدي
لا يكفى أن نعرب عن الصدمة والحزن إزاء قتل ضابط كبير فى القاهرة. ولا يقدم أو يؤخر أن نصب لعناتنا على الإرهاب وسنينه، وأن نتوعد الإرهابيين ومن وراءهم. ولا بأس من أن نشدد الاحتياطات الأمنية التى يفترض أنها من لزوميات الظروف الطارئة التى نمر بها، ذلك إننا مطالبون فوق كل ذلك بأن نفكر فى الموضوع بعقولنا وليس فقط بغرائزنا وانفعالاتنا. لست ضد الانفعال، لكننى أقدره وأدعو فقط إلى ضبطه وعقلنته، كى لا يظل رد الفعل مقصورا على التنديد والتشنج والتحريض على الانتقام.
الأشرار فى إسرائيل يفكرون بهذه الطريقة. حين فوجئوا بانتفاضة القدس أو انتفاضة السكاكين فى العام الماضى (٢٠١٥) فإنهم تعاملوا مع الشبان الغاضبين على مستويين. من ناحية ألقوا القبض على الفاعلين والمتظاهرين لمعاقبتهم بما نعرف من أساليب. ومن ناحية ثانية فإنهم أطلقوا جماعات من باحثيهم للتعرف على خلفيات المعتقلين، من انتمائهم إلى دوافعهم لاستخدام السكاكين مرورا بتوزيعهم الجغرافى وظروفهم العائلية، كان من السهل وربما المفهوم أن يتهم هؤلاء الشبان بالانتماء إلى حركة حماس أو الجهاد الإسلامى، وهى الذريعة التى يمكن أن تسوقها وتستند إليها فى توجيه ضربات موجعة إلى أى من المجموعتين. ورغم أن ذلك أول ما خطر على بالهم. إلا أنهم لم يتعجلوا واعتمدوا نتائج جهد الباحثين، التى نفت علاقة هؤلاء بحركة حماس أو الجهاد، الأمر الذى دعاهم إلى تعديل مسار البحث للتعرف على الأسباب الأخرى التى دعتهم إلى الاشتراك فى الانتفاضة وحمل السكاكين، وهو ما ترتب عليه قاعدة بيانات مهمة ترتبت عليها إجراءات عدة لا مجال للاستفاضة فيها.
ما همنى فى التجربة أن المعالجة الإسرائيلية للحدث لم تكن أمنية فقط، وإنما تزامن مع ذلك مسار آخر، استهدف تعميق البحث لتفادى تكرار ما جرى فى المستقبل.
وإذ لا أخفى كراهية لكل ما هو إسرائيلى، فإننى أزعم أنهم وهم يمارسون شرورهم يلجأون إلى أساليب يمكن الإفادة منها فيما هو أفضل.
كنت قد أشرت فى مقام سابق مماثل إلى أن إدانة الجريمة أمر ضرورى، لكن من المهم أيضا أن نتعرف بدقة على من فعلها ولماذا. وهو ما أكرره الآن محذرا من التعجل فى تسجيل المواقف وإصدار البيانات. ومذكرا بواقعة تفجير مقر مديرية أمن الدقهلية فى أواخر شهر ديسمبر عام ٢٠١٣، التى أعلن آنذاك أن الإخوان من قاموا بها، وبناء على ذلك اعتبرت الجماعة إرهابية وجرى حظر جميع انشطتها. إلا أن جماعة أنصار بيت المقدس بثت شريط فيديو بعد ذلك بأربعة أشهر (فى شهر أبريل عام ٢٠١٤) أعلنت فيه أنها المسئولة عن عملية التفجير الذى سجل الشريط مراحل تنفيذها وصورة الشخص الذى قام بها.
حين أذيع خبر قتل الضابط الكبير ذكرت وسائل الإعلام أن الإخوان وراء العملية. وبعد ٢٤ ساعة أعلن أن الذين نفذوا الجريمة ثلاثة من الإخوان وجرى التعرف على أسمائهم، ينتمون إلى كيان غامض باسم «لواء الثورة»، وقد سبق لعناصر تلك المجموعة أنهم اشتبكوا مع كمين للشرطة فى المنوفية مما أسفر عن قتل اثنين وإصابة أربعة، وإزاء التعرف على أسمائهم فإن إلقاء القبض عليهم هم وشركاؤهم يصبح مسألة وقت لا أكثر. وفى هذه الحالة فإن التعامل الأمنى معهم يصبح مفهوما، ولكن الاكتفاء بأنهم إخوان ومعاقبتهم جراء ذلك لن يحول دون ظهور كيانات أخرى وتكرار الجريمة، لذلك من المهم للغاية أن يبذل جهد مواز سواء لتحرى انتمائهم الحقيقى أو دوافعهم لاستخدام العنف أو علاقتهم بجماعات العنف الأخرى. وسبب استهدافهم لضابط كبير فى القوات المسلحة، فى حين أن رجال الشرطة وبعض رجال القضاء هم الذين استهدفوا فى المرات السابقة.
لا أستبعد أن يكون القتلة من الإخوان، لأن الجماعة باتت متعددة التوجهات والأجيال. وسيكون مقلقا أن نكتشف أنهم من تلك الأجيال التى تشكل إدراكها فى السنوات الأخيرة أو من سلالة أناس عذبوا أو قتلوا. لأن ذلك يعنى أننا بصدد الدخول فى طور جديد أو دورة جديدة من العنف تتطلب دراسة خاصة، وربما مراجعة لكيفية احتواء ذلك التطور. وهو أمر لا يكفى فيه القمع أو الاكتفاء بتشديد القبضة الأمنية. حيث أزعم أنها مهمة تفوق طاقة وقدرات أجهزة الأمن ذاتها.
فى التفاصيل كلام كثير، لا جدوى من الخوض فيه طالما ظل التعويل على الأمن وحده هو الخيار المفضل.