توقيت القاهرة المحلي 13:50:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

احتفال غير مبرر

  مصر اليوم -

احتفال غير مبرر

فهمي هويدي

حين يكون للحياة النيابية فى مصر تاريخ عريق بعمق ١٥٠ عاما، ثم تفرز تلك الخبرة الثرية مجلسا يرثى لحاله كالذى نشهده الآن، فهل يدعونا ذلك إلى التباهى والاحتفال أم إلى الخجل والانتحاب؟ السؤال من وحى الصخب الإعلامى الذى أحاط بالاحتفال بالمناسبة يوم الأحد الماضى ٩/١٠. إذ ألقيت فيه عدة خطابات، ونشرت الصحف سرديات ذكرتنا بعراقة التجربة والسبق الذى تحقق بصدور مرسوم الخديو إسماعيل بإنشاء مجلس شورى النواب فى عام ١٨٦٦، حين لم تعرف هناك أية دولة فى العالم العربى وأفريقيا أية صورة للتمثيل النيابى. ثم بالتطور الذى شهدته التجربة البرلمانية عبر تلك المدة الطويلة منذ ضم مجلس شورى النواب ٧٦ من عمد البلاد وأعيانها.. شكلوا خمس لجان لمناقشة الموازنة ومعاونة الحكومة. إلى أن صار المجلس يضم الآن ٥٩٦ عضوا يمثلون ١٩ حزبا، وأعضاؤه يتوزعون على ٢٩ لجنة غطت مختلف الأنشطة ومجالات العمل العام. وإزاء ذلك الاستعراض، فإن ضيوف الحفل لم يقصروا فى مجاملة مصر، فوجدنا رئيس البرلمان العربى يصف التجربة البرلمانية المصرية بأنها رائدة ومصدر أمل للعرب فى التنمية، كما أن رئيس البرلمان الأفريقى اعتبر أن المناسبة تمثل عيدا لا تعتز به مصر فقط، ولكنه مصدر اعتزاز للقارة بأكملها.

الخطاب المصرى فى المناسبة ركز فى الاعتزاز بالتجربة على نقطتين أساسيتين. الأولى تمثلت فى تسجيل السبق الذى تحقق بتأسيس مجلس شورى النواب منذ ١٥٠ عاما. أما الثانية فكانت تركيبة المجلس الحالى الذى أشرك فى عضويته ١٩ حزبا، كما أنه ضم ٩٠ امرأة، فضلا عن تمثيل الشباب فيه بنسبة ٤٠٪ من جملة أعضائه. أما وظيفة المجلس ودوره فى الرقابة والتشريع ــ وهى مهمته الأساسية ــ فلم يتطرق إليها أحد. وأغلب الظن أن ذلك الجانب جرى التستر عليه لأن موقف المجلس من هذه الناحية يعد فضيحة سياسية كبرى. فرئيسه الذى هو أستاذ للقانون لا يجيد التحدث باللغة العربية (مجلة الأهرام العربى رصدت له ١٦٥ خطأ لغويا فى كلمته التى استغرقت ١٩ دقيقة بمعدل ٩ أخطاء كل دقيقة) يمنع أى نقد للحكومة ويرفض استجوابها. وخطبته التى ألقاها كانت تعبيرا عن ولائه للحكومة والسلطة التنفيذية، وتجديدا لبيعة رئيس الجمهورية وإشادة بدوره. بالتالى فإن غاية ما يحسب للمجلس فى دور انعقاده الأول أنه بارك كل جهود الحكومة ومرر كل ما أصدره الرئيس من قرارات بقوانين فى غيابه. وظلت تلك حدود دوره فى التشريع، أما دوره فى الرقابة فقد تنازل عنه وظل مكتفيا بالتهليل للحكومة والتصفيق لإنجازاتها.

حين يكون الإنجاز فى هذه الحدود المتواضعة، فإن العراقة والسبق التاريخى يصبح كل منهما بلا قيمة، ويغدو التاريخ شهادة تدين التجربة ولا تمجدها، إذ يفترض أن تكون المدة الطويلة مصدرا لانضاجها وإنجاحها. حيث يتوقع المرء أن تكون قد جعلت مجلس النواب منبر الشعب الأول، وإحدى المؤسسات الوطنية القوية التى تراقب أداء السلطة التنفيذية وتحاسب رموزها، كما يقوم بدور إيجابى وفعلى فى مناقشة القوانين قبل إصدارها. وحين لا يحدث شىء من ذلك فإن المناسبة تصبح سببا فى إصابتنا بالاكتئاب والحزن، وعند الحد الأدنى فإنها تغدو فرصة لتقييم التجربة ودافعا إلى الدعوة لمعالجة أسباب العجز والإعاقة التى يعانى منها المجلس وجعلته يقوم بدور «المحلل» للسلطة وليس الرقيب عليها.

ليس فى الأمر سر. ذلك أن المشكلة أكبر من المجلس، وهى تكمن فى الظروف التى أنتجته وأرادت له أن يتحرك فى تلك الحدود، ووجدت من يقبل بذلك الدور. بالتالى فإن أهم ما فى المناسبة أنها نبهتنا إلى أننا بعد ١٥٠ سنة مازلنا نقف عند مرحلة الخديوى إسماعيل الذى أراد لمجلس شورى النواب أن يكون عونا للحكومة وصدى لها. ولا أجد فى ذلك مسوغا للاحتفال، إلا إذا كان المراد به إطلاق فرقعة سياسية لترطيب الأجواء ورفع المعنويات والحفاوة بقرار الخديو إسماعيل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

احتفال غير مبرر احتفال غير مبرر



GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 08:18 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 08:15 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon