بقلم فهمي هويدي
لا أستغرب أن تنطلق الدعوة من مصدر مجهول لثورة الغلابة أو ثورة الجياع فى مصر ١١/١١ المقبل. كما أننى لا أستغرب الدوى الذى أحدثته الدعوة فى المجتمع، إلا أننى فوجئت بالقلق الذى أشاعته فى دوائر السلطة وعبرت عنه منابرها وأبواقها. فمثل تلك الدعوة قد تكون مفهومة فى الظروف الدقيقة والحرجة التى تمر بها مصر، خصوصا فى ظل الغلاء الذى انفلت عياره وأصبح يزداد توحشا يوما بعد يوم. وإزاء البلبلة المخيمة وفقدان الثقة فى السياسات المتبعة وانسداد الأفق فى المستقبل فإن الدعوة مست وترا حساسا فى المجتمع، وعكست حالة السخط العام التى انتشرت فى الشارع المصرى. وهو ما يفسر سرعة انتشار الخبر. لكن ذلك كله كفه وأصداء الدعوة فى دوائر السلطة فى كفة أخرى. ذلك أن ثمة قرائن عدة دلت على أن الدعوة كان لها صداها الذى أزعج السلطة واستنفرها، حتى بدا وكأنها أخذت الأمر على محمل الجد، فقرأنا أخبارا عن استعدادات الشرطة لذلك اليوم وطالعنا مقالات وبيانات تحدثت عن «سيناريوهات» الثورة المزعومة، وشددت على أن الدعوة جزء من مؤامرة إخوانية، كما دعت الناس إلى الحذر من الخروج إلى الشوارع فى ذلك اليوم.. إلخ.
حدث ذلك رغم أننا لم نعرف مصدر الدعوة، ولم تتبناها أى قوة سياسية فى داخل مصر. حتى الإخوان لم يصدر عنهم بيان يؤيدها. بالتالى فإننا لم نعرف حقيقة حجم الموضوع وهوية «القوى» التى تقف وراءه. وهو الأمر الذى يفترض أن أجهزة السلطة أقدر على قياسه. إذ لا أتصور أنها تحدد موقفها فى ضوء ما تنشره الصحف أو تتناقله مواقع التواصل الاجتماعى. وكلها مصادر لا يعتد بها خصوصا حين يتعلق الأمر بثورة فى بلد كبير يسكنه أكثر من ٩٠ مليونا من البشر.
تحضرنى فى هذا الصدد قصة عميقة الدلالة قرأتها هذا الأسبوع للكاتب المغربى عبدالحق الريكى. إذ نشر الرجل على صفحته مقالا تحت عنوان «ثورة العدسيين» خلاصتها أنه حين لاحظ شدة الاهتمام فى المواقع الاجتماعية بأزمة ارتفاع أسعار العدس، الذى يشكل وجبة متميزة ومهمة فى المطبخ المغربى، وإزاء الغليان الذى ترتب على ذلك فى الأوساط الشعبية فإنه قرر أن يدلى بدلوه فى الموضوع وكتب على صفحته تغريدة فى ١٨ ثانية تندر فيها على الأزمة قائلا: يا شعب الفيسبوك العظيم، موعدنا جميعا يوم الأحد الساعة العاشرة صباحا بساحة باب الأحد بالرباط، لرفع شعار واحد هو سْوّا اليوم سْوّا غدا، العدس لابُدَّا.
كان ذلك بعد ظهر يوم الخميس. إلا أنه فوجئ حين فتح هاتفه صباح الجمعة بمئات التعليقات التى تجاوبت مع الدعوة وأبدت استعدادا للنزول إلى الشارع من أجل العدس فى الموعد المقترح. واستغرب أن رسائل المتضامنين انهالت عليه ليس من الرباط وحدها ولكن من مختلف أنحاء المغرب. كما أنه وجد أن بعض الفاعليات طلبت ترتيب لقاء معه لترتيب مسيرة العدس يوم الأحد. وحين فرغ من أداء صلاة الجمعة التقاه أحد رجال الأجهزة الأمنية يسأله حول الموضوع ويقترح عليه أن يلتقى أحد رؤسائه لمناقشته. اندهش الرجل إزاء تطور الأمر على ذلك النحو الذى لم يتوقعه، أنه سخريته أوقعته فى حيص بيص، وعبر عن ذلك قائلا: لعنت العدس وأهل العدس وثوار العدس والفيسبوك، وفى ختام مقاله قال إنه فى الحلقات القادمة سيروى «تطورات ثورة العدسيين من لقائى بالثوار العدسيين وقضية التفاوض مع حكومة تصريف الأعمال من رئيسيها إلى بعض وزرائها. ثم عن المسيرة وقمعها واعتقال ثوار العدس وإطلاق سراحهم بعد تدخل الأمريكان». وفى السطر الأخير من المقالة ذكر الكاتب أن الأحداث من وحى خياله، وأن أى تشابه بينها وبين ما يجرى فى المغرب هو من قبيل المصادفة ليس إلا.
لا أعرف ما إذا كنا إزاء فرقعة من ذلك القبيل أن لا. لكن لدى علامات استفهام عديدة بخصوص مصدر الدعوة. وفى أجواء الغموض التى نعيشها لا أستبعد أن تكون العملية مفتعلة لتسخين الأجواء ومضاعفة القلق لتبرير لجوء السلطة إلى اتخاذ إجراءات استثنائية لإجهاض العملية ومواجهة «المؤامرة». وفى هذا الصدد سمعت من بعض الخبثاء أن الفرقعة يمكن أن تحدث دخانا فى الفضاء المصرى يسمح بتمرير بعض الإجراءات التى تتردد الحكومة فى اتخاذها مثل تعويم الجنيه أو رفع الدعم عن البترول. وهى النميمة التى تستند إلى أن اللوثة الحاصلة الآن يتعذر أن تستمر وأن الحكومة لابد أن تفعل شيئا لوضع حد لها. وخياراتها فى ذلك عديدة. ربما كانت فكرة الثورة المذكورة من بينها.