بقلم فهمي هويدي
هل هناك مؤامرة وراء هجوم السيول التى أغرقت وخربت ست محافظات فى مصر، فى توقيت متزامن مع ختام مؤتمر الشباب فى شرم الشيخ؟ لا أستبعد أن يكون البعض قد طرح السؤال، بعدما درجنا على إرجاع العديد من النوازل التى حلت بنا إلى مؤامرات «أهل الشر» الذين يتربصون بمصر ولا يرجون لها خيرا. لا تستغرب، فقد حدث ذلك حين أغرقت الأمطار مدينة الإسكندرية. وقيل إنهم (أهل الشر) سدوا البلاعات، وحين شح الدولار وانفلت عياره، وحين اختفت أسطوانات البوتاجاز، وحين تكرر انقطاع التيار الكهربائى وتم تسريب أسئلة الامتحانات. وأخيرا حين شاعت البلبلة فى البلد وخيم عليها «التشاؤم».
فى كل ذلك كانت الأبواق تسارع إلى رفع العتب والإشارة إلى مخططات أهل الشر. وكانت خيوط المؤامرة تسرب إلى وسائل الإعلام ووراءها أجهزة التوجيه المعنوى وتحريات الأمن الجاهزة، التى لم تقصر فى التعبئة والشحن لتصفية الحسابات والتساوق مع الريح السياسية.
مشكلة السيول أنه رغم توفر بعض شواهد التآمر فيها، إلا أنه ثمة صعوبة جمّة فى التوظيف السياسى لها. ذلك أن إغراق ست محافظات وترويع سكانها شهادة على أن مصر «مستهدفة». كما يثير الانتباه ويرفع من وتيرة الشك أن يتزامن انطلاق السيول فى أجواء السخط العام الذى يعم البلد بسبب الغلاء الفاحش ومع ختام مؤتمر الشباب الذى كان بمثابة عرس نظمته الرئاسة وكان الرئيس أبرز نجومه. كما يثير التساؤل أن تجتاح السيول محافظتى البحر الأحمر وجنوب سيناء الواقعتين فى محيط شرم الشيخ فتحدث ما أحدثته من دمار وغضب ثم تقطع طريق عودة المشاركين فى المؤتمر. من ثم فإن حبك التهمة لن يستعصى على جهات الاختصاص، لكن المشكلة الكبرى تكمن فى الجهة أو الجهات التى يمكن أن ينسب إليها التآمر ويتم بناء على ذلك إلقاء القبض على «الخلية» التى افتعلت الأزمة.
لا أستبعد أن يستشهد أحد خبراء مكتب نسج المؤامرات بفكرة «مجلس إدارة العالم» التى أطلقها أحد الخبراء من زملائه فى العام الماضى، وأعلن على شاشة التليفزيون أن المجلس المذكور بمقدوره أن يطلق الأعاصير ويفجر البراكين ويحرك الزلازل. ذلك أن من يدبر كل ذلك سيكون بوسعه أن يسلط السيول الجارفة نحو أى هدف يراد إغراقه وتخريبه. وهى فكرة لا تخلو من جاذبية، رغم أنها لم تؤخذ على محمل الجد حينذاك وصارت مثيرة للتندر والسخرية. إلا أن التوظيف السياسى لها قد يحدث مفعولا عكسيا، لأن الحديث عن «أخونة» مجلس إدارة العالم يجهض الفكرة ويحولها من خرافة إلى كذبة أو نكتة كبرى.
إزاء انسداد أبواب الافتعال والتلفيق، لم يكن هناك مفر من الكف عن دفن الرءوس فى الرمال والاعتراف بأن الكارثة منتج محلى صرف، وأنه إذا كانت هناك مؤامرة، فإن أيدينا هى التى نسجتها من خلال الإهمال الجسيم وسوء التدبير. ذلك أن السيول لها موعد سنوى، ولها طرق تسلكها، ولم يتحسب أحد للموعد (رغم أن مصلحة الأرصاد نبهت إليه قبل شهر من الكارثة) ولا عولجت أو روعيت الطرق بما يحول دون تحول السيول إلى كارثة سنوية.
قرأنا عن انعدام التنسيق بين الجهات الحكومية التى تقسم الأراضى والطرق. وعن تعثر إعداد أطلس للسيول، وعن خطة قومية لمواجهة السيول أعلن عنها فى عام ٢٠١٤، ثم تبين أنها «كلام جرايد» يحدث أثره فى حينه ثم ينسى آخر النهار، الشاهد أن جهاز الإدارة لم يتخل عن موقفه التقليدى، الذى بمقتضاه لا يتم التعامل مع الأزمات قبل وقوعها ولكن الانتباه من الغفلة والاستيقاظ من النوم لا يحدثان إلا حين تقع الواقعة وتحدث الكارثة. وليست تلك هى المشكلة الوحيدة، لأن هناك مشكلة أخرى تتمثل فى أن أحدا لا يحاسب على الإهمال والاستهتار. لأن كل الجهد منصرف إلى الأمن السياسى. أما الأمن الاجتماعى فهو فى مرتبة تالية، رغم أن إغراق ست محافظات بالسيول ومقتل ٢٥ شخصا وإصابة ٧٠ آخرين عمل إرهابى بامتياز. ومشكلة هؤلاء أنهم من الغلابة أبناء البطة السوداء.