توقيت القاهرة المحلي 07:37:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المؤامرة على باب البيت

  مصر اليوم -

المؤامرة على باب البيت

بقلم فهمي هويدي

لكثرة ما استهلكنا مصطلح المؤامرة وابتذلناه فى الهرج الإعلامى والمعارك الوهمية. فإننا لم نحرك ساكنا حين صرنا إزاء مؤامرة حقيقية. وكنت قد أشرت إلى نموذج من ذلك القبيل لاحت بوادره فى الأفق فيما نشر لى يوم ٣٠ مايو تحت عنوان «مؤامرة فى الطريق». وهو ما خلصت إليه حين وقعت على تصريحات للسيد تونى بلير رئيس الوزراء البريطانى السابق الذى يقوم بدور مشبوه فى العالم العربى تحدث فيها عن رؤيته لحل الصراع العربى الإسرائيلى. وكانت خلاصة ما قاله أنه إذا وافقت حكومة نتنياهو على التفاوض مع الفلسطينيين على أساس مبادرة السلام العربية (التى أطلقت فى عام ٢٠٠٢) فستكون الدول العربية مستعدة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل دون انتظار لنتائج المفاوضات. وألمح إلى أنه فى ظل الظروف التى يمر بها الشرق الأوسط فثمة إمكانية لأن توافق الدول العربية على «تخفيف» خطوط المبادرة (بمعنى التراجع عن أهم شروطها) بما يفتح الأبواب لتطبيع العلاقات وتعزيز الثقة ومن ثم إنجاح المفاوضات.

فى التعليق على تلك التصريحات التى نشرتها صحيفة «هاآرتس» يوم ٢٥/٥ قلت إنها تضعنا أمام أحد احتمالين، أحدها أن يكون الكلام مجرد تصور واقتراح من جانبه، وهو ما اعتبرته وقاحة سياسية تطالب العرب بالتنازل عن حقوقهم وتؤدى إلى تمكين إسرائيل وفوزها بالتطبيع فضلا عن اضفاء الشرعية على مشروعها الاستيطانى. الاحتمال الثانى أن يكن الرجل المشبوه قد نسق «الطبخة» مع الأطراف المشبوهة التى يتعامل معها، الأمر الذى يعتبر جريمة ومؤامرة تاريخية ينبغى التصدى لها.

شاءت المقادير أن تنشر صحيفة معاريف فى اليوم التالى مباشرة (٣١/٥) مقالة كتبها بن كاسبيت، أحد كتابها البارزين، ألقى فيها مزيدا من الأضواء على الموضوع بحيث جاء كلامه مرجحا للاحتمال الثانى. إذ ذكر أن الموضوع كان محل تفاهم بين نتنياهو وبعض الزعماء العرب، على أن يبدأ تحريك الملف فى الاتجاه الذى تحدث عنه تونى بلير بعد انضمام زعيم المعارضة إسحاق هرتسوج (المحامى وابن الرئيس الإسرائيلى الأسبق حاييم هرتسوج) وحزبه إلى الحكومة. وهو المشهود له بالرصانة والهدوء (من وجهة النظر الإسرائيلية) بما يسوغ الادعاء بأن التشكيلة الوزارية وزارة «سلام». وتحت هذه اللافتة تطبخ المرحلة الثانية فى السيناريو التى تعلن فيها الوزارة خطتها للتفاوض وموافقتها على مبادرة السلام العربية.

طرأ تغيير جوهرى على السيناريو، لأن الذى انضم إلى الحكومة أفيجدور ليبرمان الذى تلاحقه سمعة لا يمكن أن توصف فى ظلها التشكيلة المرتقبة بأنها حكومة سلام. فالرجل سبق له أن دعا إلى هدم السد العالى وإلى إعدام إسماعيل هنية قيادى حماس فى غزة خلال ٤٨ ساعة. كما أنه طالب بمحو القطاع بأسره وتحويله إلى ملعب لكرة القدم!

ذكر بن كاسبيت فى مقالته أن نتنياهو اتصل هاتفيا مع أحد القادة العرب المتفاهمين معه حول الموضوع وأبلغه بالتغيير الذى اقتضته حساباته الداخلية. وهو ما أقلق القيادى العربى الذى «تميز غضبا» حسب تعبير الكاتب الإسرائيلى. حينئذ نقل بن كاسبيت عن نتنياهو قوله: أنا أقف وراء كل ما وعدت به، ولن أتراجع عن شىء. ولا زلت عند التزامى بالتحرك إلى الأمام. ثم تحدث عن ليبرمان قائلا إنه ليس بالسوء الذى يتصوره الجميع، وهو ملتزم بمراحله المسيرة والسعى لتحقيق الاستقرار.

لم يفصل بن كاسبيت فيما جرى بعد ذلك، لكنه ذكر أن نتنياهو واصل تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، فأعلن لأول مرة اعترافا غامضا بمبادرة السلام (بعد تعديلها أو تحديثها على حد تعبيره) كأساس للمفاوضات مع الفلسطينيين، وسارع ليبرمان للحاق به.

أضاف الكاتب قائلا: فى إطار الخطة المقترحة تعهد نتنياهو بأن تنفذ إسرائيل على الأرض خطوات تجسد التزامها بحل الدولتين، وتعلن اعترافها بمبادرة السلام المعدلة كأساس للمفاوضات. وقد نفذ الالتزام الثانى أما الأول فغامض جدا، ثم تساءل: بماذا التزم العرب؟ ــ فى رده ذكر أنهم تعهدوا بالبدء فى خطوات التطبيع بالتوازى مع تقدم المسيرة. مشيرا إلى أن بعض الدول قبلت بالتطبيع بعد اتمام التسوية إلا أن دولا أخرى أبدت استعدادها للبدء فى التطبيع بالتوازى مع الخطوات التى يتم إنجازها فى المفاوضات.

هذا الكلام يعنى أننا بصدد مؤامرة حقيقية وليست وهمية، وأن المؤامرة لم تعد فى الطريق كما ذكرت فى مقالة ٣٠ مايو، وإنما صارت على عتبات البيت الذى صار بعض أهله ضالعين فيها. وإذ يصدمنا ذلك ويضعنا إزاء موقف لا يخطر لنا على بال، فإنه يستدعى عدة أسئلة كبيرة منها ما يلى: كيف يصدق عاقل أو صاحب ضمير أن حكومة يمينية فاشية يقودها اثنان من عتاة مجرمى الحرب هما نتنياهو وليبرمان يمكن أن تقدم على خطوة من شأنها أن تقدم أى شىء إيجابى يمكن أن يحقق السلام ويسهم فى حل القضية الفلسطينية؟ وأليس مريبا أن يطرح الموضوع فى الوقت الذى يمر فيه العالم العربى بأكثر مراحله ضعفا وتشتتا؟

تساعدنا على الإجابة والتفسير معلومة لها دلالتها الخطرة أوردها زميلنا الأستاذ محمد المنشاوى خبير الشئون الأمريكية ومراسل جريدة «الشروق» فى واشنطن فى ثنايا مقالته التى نشرتها الجريدة فى ٢٧ مايو الماضى. إذ ذكر أن حاكما عربيا التقى فى جلسة مغلقة بنيويورك مع بعض قادة المنظمات اليهودية وعدد من المفكرين وخبراء الشرق الأوسط. وأثناء اللقاء دعا إلى ضرورة استغلال واشنطن لحالة الضعف العربى غير المسبوق والانقسام والتشتت الفلسطينى لإنهاء القضية الفلسطينية. وذكر أن الدول العربية المعتدلة ستضغط فى هذه الحالة على الفلسطينيين ليقبلوا بشبه دولة تعرضها عليهم إسرائيل، مضيفا أن الإسراع بهذه الخطوة مهم فى الوقت الراهن، لأن أحدا لا يعرف ماذا سيأتى به المستقبل. وهى معلومة إذا صحت فإنها تعنى أن المؤامرة باتت فى داخل البيت وليست على عتباته فحسب. لقد وصفت الكلام حين صدر عن تونى بلير بأنه «وقاحة»، لكننى أعجز من أن أجد وصفا مناسبا أو مهذبا لهذا الموقف الأخير، لذلك سأترك المهمة لك.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المؤامرة على باب البيت المؤامرة على باب البيت



GMT 12:48 2016 الأحد ,11 كانون الأول / ديسمبر

بشرى للاعبين المحليين

GMT 14:24 2016 الجمعة ,09 كانون الأول / ديسمبر

هل الكتابة خدعة؟

GMT 14:23 2016 الأربعاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

أحرجتنا ماليزيا

GMT 11:38 2016 الثلاثاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

الإصلاح السياسى مقدم على الإصلاح الدينى

GMT 12:04 2016 الخميس ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

التغريبة الثالثة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon