بقلم فهمي هويدي
كلما أردنا أن نتفاؤل لاحقتنا رسائل الإحباط والشك. آية ذلك أننا تفاءلنا بقرب حل مشكلة مئات الشبان المحبوسين فى السجون المصرية، بعدما أثير الموضوع أخيرا فى مؤتمر الشباب بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى. إذ تلقينا جرعة من التفاؤل حين اعتبرت الدعوة ضمن توصيات المؤتمر، أعقبتها جرعة أخرى أوحت بأن الأمر مأخوذ على محمل الجد. وأن لجنة ستختص بمتابعة موضوع المعتقلين، ضمن اللجان الأخرى التى يفترض أن تشكلها الرئاسة لتنفيذ مختلف التوصيات. إلا أن مؤشرات التفاؤل بشأن المعتقلين توقفت ثم بدأت فى التراجع حين ظهرت أخبار تشكيل اللجنة الموعودة وبدأ الحديث عن حدود المهمة التى ستنهض بها. وهو ما دعانا إلى إعادة قراءة التفاصيل بأعين أخرى.
تشكيل اللجنة لم يكن مطمئنا، من ناحية لأن أغلب أعضائها لا لهم علاقة بالموضوع. ومن كانت له علاقة فإنه جاء من الباب الغلط. أحدهم عين فى المجلس القومى لحقوق الإنسان مكافأة له على دوره فى حركة «تمرد». والثانى رأس أخيرا لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب رغم أنه ضابط شرطة سابق، سبق اتهامه بتعذيب أحد المتهمين.
وهناك ثالث كان عضوا فى الحملة الانتخابية للرئيس السيسى ورابعة صحفية لها كتابات ضد العفو عن المحبوسين، وقد جاءت ممثلة للمجلس القومى للمرأة. أما رئىس اللجنة فهو مختص بالعلوم السياسية ومشتغل بالصحافة، وكل علاقته بالموضوع أنه تحدث عنه فى مؤتمر الشباب، فى حين بحت أصوات كثيرين طوال السنوات الأخيرة وهى تتبنى القضية بمختلف عناوينها. صحيح أنهم جميعا لهم علينا حق الاحترام كأشخاص. لكننى أتحدث عن خبراتهم وصلتهم بمهمة اللجنة.
السبب الآخر لعدم الاطمئنان، أن تشكيل اللجنة تجاهل جهود المجلس القومى لحقوق الرنسان والمنظمات الحقوقية، وأنشأ كيانا جديدا لبحث الموضوع، فى حين أن المجلس المذكور ومنظمات المجتمع المدنى قطعت منذ سنوات أشواطا بعيدة فى تتبعه وبحثه. حتى صارت كل معلومات الملف تحت أيدى خبرائها، بحيث لم يعد الأمر بحاجة إلا إلى إصدار القرارات السياسية والتنفذية. وعلى سبيل المثال فحين أثير موضوع المعتقلين فى لقاء الرئيس السيسى بالمثقفين قبل ثلاثة أشهر، فإنه طلب إعداد قائمة بمن وقع عليهم الظلم ويستحقون العفو. حينذاك أعد مجلس حقوق الإنسان قائمة ضمت ٦٠٠ اسم، ارفقت بها المعايير التى بنى على أساسها ترشيح الأسماء التى توزعت فى فئات خمس هى: أصحاب الرأى ــ الصحفيون ــ المتظاهرون الذين لم يستخدموا العنف ــ المرضى ــ الذين تجاوزوا سن الثمانين.
أثار الانتباه فى هذا الصدد أن صحيفة «المصرى اليوم» بدأت حملة لمساعدة اللجنة الجديدة، وفتحت الباب لتلقى طلبات أسر المحبوسين، الموجودة بالفعل لدى مجلس حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية، الأمر الذى يعنى أنه بدلا من البناء على ما هو موجود فثمة اتجاه لإعادة البناء من الصفر.
مهمة اللجنة بدورها جاءت باعثة على الحيرة والبلبلة. إذ أعلن أن دورها مقصور على بحث حالات المحبوسين احتياطيا، وهم أشخاص يجدد حبسهم بصفة دورية دون أن يوجه إليهم الاتهام. وهؤلاء مصيرهم بيد النائب العام، ثم هناك محبوسون تم اتهامهم فى قضايا منظورة. وهؤلاء مصيرهم بيد القضاء الذى ينظر فى أمرهم. وهؤلاء وهؤلاء لا يملك الرئيس أن يعفو عنهم بحكم القانون. ذلك أن حقه فى العفو مقصور على الذين صدرت بحقهم أحكام بالسجن. وذلك ملف شائك مستبعد فى الوقت الراهن. ثم أن هناك ملفا آخر لم يرد له ذكر، يتعلق بوضع الذين أحيلوا إلى القضاء العسكرى ولم يبت فى أمرهم. أما ملف المختفين قسريا الذين تحتفظ المنظمات الحقوقية بقوائم اسمائهم، فلم يرد له ذكر ولم يقترب منه أحد.
الشاهد أن التفاؤل الذى أشاعه طرح الفكرة بدأ فى التراجع حين دخلنا فى طور التنفيذ، الذى أرجو ألا يسلمنا إلى التشاؤم فى نهاية المطاف وفى هذه الحالة فإن المشكلة ستظل معلقة بلا حل. ثم إن وزارة الداخلية ستواجه موقفا حرجا للغاية، ذلك أنها لن تستطيع اتخاذ أى إجراء إزاء الجهات المعنية التى أشاعت ذلك «المناخ التشاؤمى» ــ وهو الذى اتهمت به آخرين وأوقفتهم!