بقلم فهمي هويدي
مهم لا ريب أن يوجه الرئيس السيسى رسالة سلام إلى الخارج من شرم الشيخ، كما ذكرت الصحف المصرية يوم الخميس الماضى. لكن الأهم أننا ننتظر منه فى عامة الثالث رسالة سلام مماثلة إلى الداخل. أدرى أن توجيه الرسالة الأولى إلى العالم الخارجى مطلوبة فى الوقت الراهن، لأسباب لا تحتاج إلى شرح. لكننى أزعم أن رسالة السلام الموجهة إلى الداخل مطلوبة فى كل وقت، وهى الآن ضرورة ملحة أكثر من أى وقت آخر.
كان مصطفى كمال أتاتورك قد رفع فى بداية تأسيس الجمهورية التركية شعار «سلام فى الداخل وسلام فى الخارج»، معتبرا أن ذلك مدخل ضرورى لمرحلة التأسيس. وقد قدم فيها سلام الداخل على سلام الخارج، معتبرا أن انجازه فى الداخل يؤمن بالضرورة السلام فى الخارج. وأخشى أن يكون الأمر معكوسا فى مصر، حيث تعطى الأولوية لسلام الخارج بينما يظل سلام الداخل مرحلا إلى أجل غير معلوم. آية ذلك مثلا أن وزارة التربية والتعليم أصدرت بيانا تحدث عن التعديلات فى مناهج التعليم لخصته صحيفة «المصرى اليوم» ونشرته على الصفحة الأولى يوم ٢٦/١٠ الحالى تحت العنوان التالى: السلام بدلا من «ثقافة الصراع» فى كتب الدراسات الاجتماعية. وفيه إشارة إلى أنه تم التطرق إلى ذلك المعنى فى صياغة الجزء الخاص بالصراع العربى الإسرائيلى فى أحد الكتب المقررة على الصف الثالث الإعدادى. ورغم أن الاحتلال لايزال مستمرا كما أن الصراع لم تضع نهاية له بعد، إلا أن الوزارة فى تعديلها للمنهج استبقت ورفعت المصطلح واعتنت بالحديث عن ثقافة السلام فى الخارج، ولم تشر فى السياق إلى سلام الداخل.
ما سبق يسوغ لى أن نقول بأن توصيف الوضع الراهن فى مصر يمكن أن يختزله شعار «سلام فى الخارج وصراع فى الداخل». تؤيد ذلك تعدد قرائن العناية بسلام الخارج مع استمرار الاحتقان والانقسام فى المجتمع. وهو الذى مر بأربع مراحل تعاقبت منذ شهر يونيو عام ٢٠١٣، فى البدء كان الصراع مع الإخوان، الذى اتسعت دائرته فى وقت لاحق بحيث تطور الاشتباك مع مختلف فصائل الإسلام السياسى. وفى حين وقف ائتلاف ٣٠ يونيو فى المربع المعاكس. فإن عقد ذلك الائتلاف انفرط بمضى الوقت بحيث توزعت عناصره بين موالين للنظام ومستقلين عنه أو معارضين له واصطف الأخيرون مع القوى المدنية الوطنية التى استهجنت موقف السلطة إزاء الحريات العامة وعارضوا انتهاكاتها للدستور والقانون ومبادئ حقوق الإنسان، وإذ ظل ذلك الحراك يتفاعل فى محيط الطبقة السياسية باختلاف أطيافها، فإن الأمر اختلف خلال الأشهر الأخيرة، ذلك أن الغلاء الفاحش الذى قصم ظهور الملايين وسع من دائرة السخط والغضب، بحيث تجاوز الطبقة السياسية والقوى المدنية ووصل إلى عموم الشارع المصرى على النحو الذى نلمسه هذه الأيام. وتلك هى المرحلة الرابعة من الاحتقان والانقسام.
إزاء ذلك اكتسبت الدعوة إلى احتواء تلك الصراعات أهمية خاصة فى الوقت الراهن وصارت الحاجة إلى سلام الداخل استحقاقا عاجلا. أما كيف يتحقق ذلك، فالموضوع يستحق حوارا مطولا ومفصلا. ولذلك تمنيت أن يتسع صدر السلطة لعقد مؤتمر وطنى تمثل فيه مختلف القوى المدنية تطرح فيه المسألة بصراحة وشجاعة. والشرط الأساسى لنجاحه أن ترفع عنه يد الأمن لكى يتسع للمعارضين والمستقلين إلى جانب المؤيدين. وليته يتجنب العيب الأساسى الذى شاب مؤتمر الشباب، الذى دعت إليه الرئاسة وصممته الأجهزة الأمنية بحيث شارك فيه المرضى عنهم من الأنصار والمؤيدين دون غيرهم.
إذا جاز لى أن استبق فى تحرير الدعوة إلى سلام الداخل، فأزغم أنه لا سبيل إلى تحقيقه طالما استمر موت السياسة واختل ميزان العدل، وطالما غابت المصالحة الوطنية، ولم ترفع القيود المفروضة على الحريات ولم يطلق سراح المسجونين ويوقف التعذيب والاختفاء القسرى. ثم أنه لا بديل عن وقف عسكرة المجتمع مع السعى الجاد لاستعادة أمل الدولة المدنية والديمقراطية. وتلك عناوين سريعة لا شك أن الحوار الوطنى المنشود سينضجها على نحو أفضل وأشمل.