توقيت القاهرة المحلي 13:39:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فى علاقة الدولة بالدين

  مصر اليوم -

فى علاقة الدولة بالدين

بقلم فهمي هويدي

ليس صحيحا أننا نعانى من تدخل الدين فى السياسة، لأن العكس هو الصحيح فى مصر على الأقل. ذلك أن المؤسسات الدينية ــ وليس الكنائس وحدها ــ تراجعت قوتها وجرى إضعافها ضمن الضعف الذى أصاب جميع مؤسسات المجتمع وفاعلياته، لذلك فإنها تحولت إلى مجرد ديكور فى المشهد السياسى. وإذا استخدمنا مفردات النقد الرياضى فربما جاز لنا أن نقول إن السياسيين أو الذين يديرون السياسة ظلوا الفريق الأصلى طول الوقت. هم اللاعبون الحقيقيون الذين يقررون المصير ويسجلون الأهداف ويجنون ثمارها. أما الرموز الدينية فقد خصصت لهم مقاعد «البدلاء» بشكل دائم، فظلوا متفرجين وبقوا مشجعين ومصفقين بالأساس. وسنِّيدة ومعاونين رهن الإشارة إذا لزم الأمر. لذلك أزعم بأن الكلام عن تدخل الدين فى السياسة هو فى حقيقة الأمر شعار مغلوط تماما.

تاريخيا فى مصر، فإنه كلما قويت شوكة السلطة المركزية، بحيث بسطت سلطانها على المجتمع وتغولت فيه، ازدادت جرأتها على توظيف الدين لصالحها. وكان ذلك التغول من سمات الدولة المصرية الحديثة التى شرع محمد على باشا والى مصر فى تأسيسها فى بداية القرن التاسع عشر.

قبل ذلك التاريخ، كانت المؤسسة الدينية ممثلة فى الأزهر قوة روحية وسياسية فى الوقت ذاته. إذ كان الأزهر قلعة مقاومة الاحتلال الفرنسى فى ثورتى القاهرة عامى ١٧٩٨ و١٨٠٠. وظل سند المظلومين فى مواجهة عسف أمراء المماليك. وحين استمرت المظالم وزادت الضرائب فى عهد الوالى التركى خورشيد باشا، فإن علماء الأزهر هم من رفعوا شكايتهم إليه، وحين لم ينتصح فإنهم أعلنوا التمرد عليه وقادوا محاصرته فى القلعة إلى أن استسلم. وأرغم الخليفة العثمانى على تولية محمد على حكم مصر وخلع خورشيد باشا. فقام نقيب الأشراف السيد عمر مكرم وشيخ الأزهر عبدالله الشرقاوى بإلباسه خلعة الولاية فى عام ١٨٠٥، بعدما اشترطوا عليه أن يحكم بالعدل وإلا تم عزله.

علماء الأزهر آنذاك لم يتصرفوا بحسبانهم وعاظا ولا سلطة دينية، ولكنهم كانوا جزءا من النخبة الوطنية التى تصدت للظلم وانحازت إلى الشعب واستقلاله، فى بواكير الحركة الوطنية المصرية. إلا أن محمد على باشا الذى أدرك قوة المؤسسة الدينية لجأ إلى إضعاف الأزهر حين أراد الانفراد بالسلطة. ولجأ فى ذلك إلى التفنن فى السيطرة عليه بوسائل عدة فصَّلتها الدكتورة ماجدة على صالح ربيع فى رسالتها للدكتوراه وكتابها الذى صدر فى عام ١٩٩٢ بعنوان «الدور السياسى للأزهر».

رصدت الدراسة السابقة أطوار سيطرة السلطة على الأزهر. التى انتهت بتأميمه وتحويله إلى مؤسسة تتولى «تعبئة الأفراد لتأييد سياسة الحاكم»، وهى العبارة التى ختمت بها الدكتورة ماجدة الفصل الخاص بالقضاء على استقلال الأزهر، وهى للمصادفة ذات العبارة التى انتقد فيها المثقفون الأقباط أخيرا موقف الكنائس إزاء رحلة الرئيس السيسى للأمم المتحدة وقيامها بدور «الشحن والتعبئة لتأييد النظام القائم».

لقد أثبتت التجربة فشل فكرة الفصل بين الدين والدولة، ناهيك عن تعذر ذلك الفصل من الناحية العملية، خصوصا فى المجتمعات التى يتجذر فيها الشعور الإيمانى، لذلك فإن التحدى الحقيقى يتمثل فى كيفية صياغة تلك العلاقة بصورة متوازنة تحول دون طغيان كل طرف على الآخر. بحيث لا توظف الدولة الدين لصالحها، ولا تتحكم المؤسسات الدينية فى سياسة الدولة. والصيغة المطروحة للحفاظ على ذلك التوازن تقوم على عنصرين، أولهما التمييز بين الدين والسياسة واحترام حدود كل منهما من ناحية، وثانيهما الالتزام بقيم الديمقراطية والحرية التى تحمى المواطنة وتضمن المشاركة وتقوى حضور المجتمع بمختلف مؤسساته المدنية والدينية، بما يحول دون تغول السلطة واستبدادها. والشرط الواجب توافره فى كل ذلك يتمثل فى السؤال التالى: هل هناك رغبة حقيقية ومخلصة فى العيش المشترك أم لا؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فى علاقة الدولة بالدين فى علاقة الدولة بالدين



GMT 12:48 2016 الأحد ,11 كانون الأول / ديسمبر

بشرى للاعبين المحليين

GMT 14:24 2016 الجمعة ,09 كانون الأول / ديسمبر

هل الكتابة خدعة؟

GMT 14:23 2016 الأربعاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

أحرجتنا ماليزيا

GMT 11:38 2016 الثلاثاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

الإصلاح السياسى مقدم على الإصلاح الدينى

GMT 12:04 2016 الخميس ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

التغريبة الثالثة

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon