توقيت القاهرة المحلي 17:00:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التغريبة الثالثة

  مصر اليوم -

التغريبة الثالثة

بقلم فهمي هويدي

تغريبة المصريين موضوع شائق وشائك ينكأ جراحا عانت منها مصر منذ خمسينيات القرن الماضى. ولئن تبدت التغريبة فى هجرات شرائح معينة إلى الخارج. إلا أنها ترسم فى الوقت نفسه قسمات وإكراهات الداخل، التى تتمثل فى طبيعة الظروف الطاردة التى أفضت إلى تلك النتيجة. وهى فى الوقت الحاضر أشد وأوسع نطاقا منها فى موجات التغريب التى عرفتها مصر فى تاريخها المعاصر.

أطلقت أجراس التنبيه للظاهرة هذا الأسبوع دراسة قدمتها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان (أعدها معتز حجاج) عنوانها «التغريبة الثالثة ــ عن هجرة ورحيل المصريين غير الطوعية إلى الخارج». مقدمة الدراسة كتبها الدكتور خالد فهمى أستاذ التاريخ المغترب بالولايات المتحدة. وقد اعتبر أن التغريبة الأولى تمت فى الخمسينيات جراء الصدام الذى حدث بين النظام الناصرى والإخوان، الأمر الذى أدى إلى نزوح أعداد كبيرة منهم إلى دول الخليج وفى المقدمة منها السعودية. أما التغريبة الثانية فقد تمت فى المرحلة الساداتية، وتعالت موجتها فى أعقاب توقيع اتفاقيات كامب ديفيد. وفى ظلها خرجت من مصر أعداد كبيرة من المثقفين الذين انتقلوا إلى الكويت والعراق وسوريا والجزائر، وهى الدول التى فتحت أبوابها لأصحاب الاتجاهات القومية واليسارية. أما التغريبة الثالثة والأخيرة فقد جاءت مواكبة للمتغيرات التى تلاحقت فى أعقاب ثورة يناير ٢٠١١ وصولا إلى نظام ٣ يوليو ٢٠١٣. وأهم ما ميزها أنها اختلفت عن التغريبتين السابقتين من نواحٍ عدة أبرزها ما يلى:

< إن الذين اغتربوا فى المرحلة الأخيرة كانوا خليطا من مختلف الاتجاهات. بعضهم انتمى إلى ثورة يناير وأصابهم الإحباط والخوف، وبعضهم إسلاميون أقلقهم ما جرى وصاروا محلا للاتهام والملاحقة، وبعضهم ليبراليون واكاديميون مستقلون جعلتهم آراؤهم محل شبهة فآثروا السلامة وتركوا البلد.

< إنهم لم يتجهوا إلى الخليج أو الدول العربية. إذ باستثناء قلة استقبلتهم قطر، (أغلبهم من الإخوان الذين لجأ نفر منهم إلى تركيا)، فإن الآخرين توزعوا على الدول الأوروبية والولايات المتحدة.

(من عندى أضيف أن تغريبة ما بعد ثورة ٢٥ يناير شملت آخرين. فأعوان مبارك ورموز مرحلته لجأوا إلى الخليج واستقر أغلبهم فى دبى. وأثناء حكم الإخوان تعالت مؤشرات هجرة بعض الأقباط إلى أوروبا وأمريكا وبعد قيام نظام ٣ يوليو خرجت موجة من رجال الأعمال الذين قلقوا على استثماراتهم ومشروعاتهم التى أصبحت مهددة فى ظل الاضطراب الأمنى والركود الاقتصادى المخيم).

عن التغريبة الأخيرة ذكر الدكتور خالد فهمى أن الرحيل «لم يكن طوعيا واختياريا، بحيث لم يكن أغلبه هربا من قضية سياسية أو بحثا عن لقمة العيش، لكنه كان تغريبة (بمعنى حمل الإنسان على الغربة ودفعه للابتعاد) عنوانها الرئيسى هو الرحيل بحثا عن أفق سياسى أرحب، لا يسيطر فيه الخوف والتفتيش فى الضمائر، بعيدا عن القمع والتخوين والملاحقة والتشهير».

الاستقصاء تم فى ٨ دول عربية وأوروبية وأمريكية وآسيوية، وشمل عينة من ٣١ شخصا من خلفيات سياسية وأعمار ومهن مختلفة فضلا عن النوع، فى حين استبعد المتهمون فى قضايا عنف أو إرهاب، وقد طرحت عليهم أسئلة عدة أهمها ما تعلق بسبب الخروج واحتمالات العودة وتقييم أوضاعهم فى الخارج، وإذ تعددت الشهادات واختلفت التفاصيل، إلا أن الجميع اشتركوا فى أن الخوف على الذات والأسرة والمستقبل كان سبب الاغتراب. وان عودتهم مرهونة بزوال أسباب الخوف. ولأن أغلبهم من المهنيين وأصحاب الكفاءات، فإنهم تمكنوا من الالتحاق بأعمال مكنتهم من تغطية نفقات معيشتهم. مع ذلك فلا يزال ينغص عليهم حياتهم حملات التشويه والتخوين التى تشنها عليهم وسائل الإعلام فى الداخل، وموقف القنصليات المصرية التى ترفض التعاون معهم.

لأسباب مفهومة خلا الاستبيان من إحصاء وإعداد من شملتهم التغريبة، وانضموا خلال السنوات الثلاث الأخيرة إلى كتلة الثمانية ملايين مصرى (العشرة ملايين فى قول آخر) الذين اغتربوا فى ظروف عادية سعيا وراء تحقيق حلم الحياة الأفضل وربما الفرصة الأفضل. إلا أن هؤلاء الأخيرين اغتربوا كارهين ولايزال حلم العودة يراودهم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التغريبة الثالثة التغريبة الثالثة



GMT 12:48 2016 الأحد ,11 كانون الأول / ديسمبر

بشرى للاعبين المحليين

GMT 14:24 2016 الجمعة ,09 كانون الأول / ديسمبر

هل الكتابة خدعة؟

GMT 14:23 2016 الأربعاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

أحرجتنا ماليزيا

GMT 11:38 2016 الثلاثاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

الإصلاح السياسى مقدم على الإصلاح الدينى

GMT 12:25 2016 الأربعاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكنائس إذ ترفع الأذان

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 00:01 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الرئيس السيسي يؤكد دعم مصر لكل مؤسسات الدولة اللبنانية

GMT 13:42 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

أغنى قطة في العالم تمتلك ثروة تفوق ضعف ثروة توم هولاند

GMT 22:21 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عباس النوري يتحدث عن نقطة قوة سوريا ويوجه رسالة للحكومة

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon