بقلم فهمي هويدي
فى ذلك الصباح أطلت علينا السلطة المصرية بثلاثة أوجه. إذ أبرزت الصحيفة فى عنوان رئيسى بالصفحة الأولى خبر صدور قرار العفو عن ٨٢ سجينا، مع وعد بالعفو عن آخرين فى وقت لاحق. كان الخبر الذى انتظره كثيرون مفرحا. رغم أن الرقم بمثابة، نقطة فى بحر المظاليم، ورغم الحيرة التى انتابتنا جراء المعايير التى بناء عليها أطلق سراح أناس فى بعض القضايا وجرى الإبقاء على آخرين سجنوا على ذمة القضايا ذاتها. ذلك أن ظهور كلمة «العفو» كان أمرا مثيرا للانتباه فى قاموس الخطاب السائد، الذى شاعت فيه خلال الحقبة الأخيرة مفردات القمع والتصفية والثأر ومترادفاتها. لذلك لا أخفى أننى رأيت فى الخبر وجها للسلطة لاحت فيه بعض سمات التصالح والتسامح، الأمر الذى يشيع قدرا من التفاؤل المنعش.
هذا الشعور لم يلبث أن تراجع حين وقع البصر على خبر آخر تحت العنوان التالى: النيابة تستعجل تقرير الطب الشرعى لقتيل الأميرية. وفى ثنايا الخبر أطل علينا وجه آخر للسلطة اتسم بالقسوة المفرطة. إذ نقرأ فيه أن مواطنا اسمه مجدى مكين دخل فى مشادة كلامية مع ضابط شرطة بإحدى ضواحى القاهرة، فاستكثر الأخير رده عليه. وكانت تلك بداية احتجازه وتعذيبه بصورة وحشية أدت إلى مقتله. وتلك رواية الأسرة التى نفتها وزارة الداخلية. إلا أن أفراد الأسرة كانوا قد التقطوا صورا للجثة أظهرت بشاعة التعذيب الذى تعرض له الضحية، الأمر الذى أعاد إلى الأذهان أحداثا مماثلة تابعناها قبل أشهر معدودة، كان لها صداها داخل مصر وخارجها. كان القتيل قبطيا، الأمر الذى أضاف بعدا للصدمة كان شديد الوقع فى أوساط الأقباط، الذين عبروا عن غضبهم من خلال تعليقات أخرى بعضها انتقد صمت الأقباط أعضاء مجلس النواب وسجل أن طلب الإحاطة الوحيد الذى طلب مساءلة وزير الداخلية كان النائب المسلم هيثم الحريرى.
أما دلالة الحدث إذا ثبتت أقوال الأسرة والشهود. فتتمثل فى أن الاستباحة التى تمارسها الداخلية لا تستثنى أحدا وأن المواطن المصرى البسيط بصرف النظر عن هويته لا قيمة له ولا كرامة فى حسابات بعض رجال الشرطة.
تحت قصة قتيل الداخلية تقرير آخر مثير حول أزمة سجن برج العرب، القريب من الإسكندرية الذى تعالت الأصوات منددة بجملة التعذيب والتنكيل التى تعرض لها نزلاؤه من المسجونين السياسيين. وهؤلاء قدر عددهم بالمئات، وقد رأى ذووهم أثناء الزيارات آثار الضرب الذى تعرضوا له طوال أربعة أيام. ونقل التقرير المنشور على ألسنة الأهالى تفصيلات كثيرة عن مشاهداتهم وشهادات المسجونين الذين حرموا من الدواء وسحبت منهم متعلقاتهم، وتعرض بعضهم للاختناق بسبب إطلاق قنابل الغاز عليهم. وهو ما دفع الأهالى والمحامين إلى تقديم بلاغات ضد إدارة السجن لنيابة غرب الإسكندرية. فى حين تناقلت مواقع التواصل الاجتماعى صور وأسماء الضباط ومساعديهم المسئولين عن السجن. وعاقبت الإدارة الأهالى بمنعهم من زيارة ذويهم، أو باختصار مدة الزيارة من ساعة إلى خمس أو عشر دقائق فقط. وإمعانا فى التنكيل بالأهالى تم ترحيل مئات المسجونين إلى سجون أخرى فى مناطق نائية. وكانت النتيجة أننا رأينا فى التقرير وجها ثالثا سمته الفظاظة والقسوة.
بقى أن أذكر أن الأوجه الثلاثة للسماحة والاستباحة والتنكيل طالعتها فى ثلاثة تقارير نشرتها صحيفة «المصرى اليوم» على الصفحة الأولى لعدد الجمعة ١٨/١١، الأمر الذى أثار فى ذهنى السؤال التالى: أى هذه الصور يمثل الأصل والحقيقة وأيها يعبر عن الادعاء والاستثناء؟