بقلم فهمي هويدي
حين وجد رئيس وزراء الهند أن ٢.٥٪ فقط، يدفعون الضرائب فى حين أن مجموع السكان يزيد على مليار و٢٠٠ مليون نسمة، فإنه أدرك أن ثمة خللا يحمل الفقراء بأعباء الضرائب، فى حين يسمح للقادرين بالاحتيال عليها والتهرب منها. لذلك فإنه أدرج الموضوع ضمن وعوده فى المعركة الانتخابية التى أسفرت عن فوزه بالمنصب عام ٢٠١٤. وبعد توليه السلطة كلف عددا من الخبراء بدراسة كيفية تشجيع المتهربين من الضرائب على دفع المبالغ المستحقة عليهم، مع إغرائهم بإعفائهم من أى عقوبة عن تخلفهم عن السداد فى السنوات السابقة، كان الرجل يدرك أن البيروقراطية المخيمة والفساد الشائع وراء إحجام شرائح واسعة من المجتمع عن دفع الضرائب أو تشجيعهم على الاحتيال عليها. لذلك فإنه وافق على اقتراح الخبراء إعطاء مهلة سماح تستغرق أربعة أشهر للمتهربين، إذا سددوا ما عليهم وأعلنوا عن أرصدتهم الحقيقية وفى هذه المسألة فإنهم لن يحاسبوا عن السنوات الماضية. وحين انتهت المهلة يوم الجمعة الماضى (٣٠ سبتمبر) حدثت مفاجأة. ذلك أن ٦٤٢٧٥ شخصا أعلنوا عن ثرواتهم الحقيقية التى لم يكن معلنا عنها من قبل. وقدرت تلك الأصول بمبلغ ٦٥٢.٥ مليار روبية، تعادل ٩.٨ مليار دولار. وقال وزير المالية أرون جيتلى إن حصر الأصول التى أعلن عنها لم ينته تماما حتى مساء يوم الجمعة. لكن إعلان هذا العدد الكبير من الناس عن أموالهم يبين أن قطاعا عريضا منهم يرغب فى دفع الضرائب. وإذ أضاف أنه يتوقع زيادة العدد بعد انتهاء الجرد، فإنه ذكر أن ما حدث سيمكن الحكومة من تمويل العديد من المشروعات العامة. وإلى جانب إعلان الحكومة عن إعفاء من يعلن عن أصوله المالية من أى عقوبة، فإنها أصدرت قانونا جعل الإعلان عن الرقم الضريبى إجباريا عند شراء أى مواطن هندى لسلع تزيد قيمتها على ٢٠٠ ألف روبية (تعادل نحو ثلاثة آلاف دولار).
الحملة التى رعتها الحكومة حققت عدة أهداف. أحدها أنها كشفت عن ثروات مخفية قدرت بنحو عشرة مليارات دولار، وثانيها أنها شجعت أصحاب تلك الثروات على دفع الضرائب المستحقة عليها، وثالثها أنها أغلقت الأبواب أمام التهرب الضريبى. وألزمت كل قادر على أن يفتح صفحة جديدة مع الدولة، بإلزامه بالإعلان عن رقمه الضريبى كلما اشترى سلعا تزيد قيمتها على ثلاثة آلاف دولار.
أثارت انتباهى العملية حين قرأت ما جرى فى الهند فى الوقت الذى كان اللغط مثارا فى مصر حول تجميع «الفكة» وضمها لحساب حملة «تحيا مصر». وهو ما دفعنى إلى المقارنة بين التجربتين وحصيلة كل منهما. ورغم أن «الفكة» المفترضة غير معلومة، إلا أن الحديث عنها بقدر حصيلتها بعدة ملايين من الجنيهات، وهى لا تقارن بالمليارات التى أظهرتها حملة الهند. الأهم من ذلك أن ما حدث فى الهند كان ثمرة دراسة قام بها الخبراء، فى حين أن الفكرة طرحها فى مصر الرئيس السيسى فى خطاب ارتجله، ولم نعرف أنه درس الموضوع قبل الإعلان عنه.
مبلغ علمى أن المتهربين فى مصر عدد هائل حيث قيل لى إن دافعى الضرائب عددهم نحو ٢٦٠ ألف شخص، فى بلد تعداد سكانه ٩٠ مليونا. كما أننى لست أشك فى أن البيروقراطية والفساد فى مصر ليسا أقل منهما فى الهند، وهو ما يعنى أن التهرب الضريبى ظاهرة مصرية تستحق أن تعالج، من خلال دراسة جادة تبدع أفكارا جديدة تحقق الهدف. حتى لا يظل الفقراء ومتوسطو الحال وحدهم الذين يتحملون أعباء الضرائب ويتمكن القادرون من التهرب منها.
كما أننا لا نريد لرئيس الجمهورية أن نسمع صوته وحده فإننا نتمنى أيضا ألا يفكر وحده.