بقلم فهمي هويدي
صرفنا المنظر المعيب الذى ظهرت به مصر أثناء مشاركة الرئيس السيسى لاجتماعات الأمم المتحدة عن ملاحظة أمور أخرى لها أهميتها تخللت الزيارة.
ذلك أن الرئيس فى لقاءاته مع المسئولين الغربيين، خصوصا الأمريكان منهم، بدا حريصا على الإشادة بالعلاقات الجيدة التى تربط مصر بقادة تلك الدول، وكان له تركيزه الخاص على العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.
وكان خطابه ذاك مختلفا فى توجهه ولهجته عن خطاب الإعلام المصرى فى الداخل الذى يركز على «تآمر» العواصم الغربية على مصر، واختراق التنظيم الدولى للإخوان للمؤسسات السياسية والبحثية والإعلامية، والحصار الذى تفرضه تلك العواصم وأجهزة مخابراتها على النظام المصرى، خشية انطلاقها واستعادة أجواء الزمن الناصرى.
ما نشرته الصحف المصرية خلال الأسبوع الماضى حول لقاءات الرئيس مع الساسة الغربيين يوحى بأن مصر تتبنى خطابين أحدهما للاستهلاك فى الداخل والثانى للتصدير فى الخارج.
خطاب الداخل يركز على فكرة المؤامرة ويستنفر المصريين ضد الأبالسة الذين ما برحوا يتآمرون على مصر ويحاصرونها ويضيقون الخناق عليها. أما خطاب التصدير للخارج فإنه يخاطب «المتآمرين» متحدثا عن مصر الديمقراطية التى تحكمها سيادة القانون وتديرها المؤسسات الحريصة على مد يد التعاون مع الجميع، وعلى العمل من أجل الحلول السلمية للنزاعات والدفاع عن السلام بكل السبل.
الملاحظة الثانية أن وسائل الإعلام المصرية ــ الصحف القومية بوجه أخص ــ فصلت فى تصريحات الرئيس المصرى والخطب التى ألقاها، لكننا لم نعرف الكثير عما سمعه الرئيس المصرى ممن التقاهم.
مع ذلك فإن المعلومات التى نشرتها وسائل الإعلام المصرية والتقارير التى خرجت من نيويورك يستشف منها أن مصر وهى تبث رسائلها المختلفة هناك كانت فى موقف دفاعى بشكل عام. إذ من الواضح أن السياسات الداخلية ظلت محل تساؤل وأحيانا محل انتقاد واتهام. آية ذلك أننا قرأنا فى عناوين بعض الصحف المصرية الصادرة يوم الأربعاء الماضى (٢١/٩) مثلا قول الرئيس أنه لا يوجد ديكتاتور فى مصر، وأنه لا عودة للفكر الاستبدادى. وأنه سبق للرئيس أن سلم جون كيرى وزير الخارجية الأمريكى قائمة بأسماء الذين تم الإفراج عنهم جنائيا أو بعفو رئاسى.
كما أن الرئيس ناقش ملف حقوق الإنسان مع المرشحة الرئاسية هيلارى كلينتون. هذه الإشارات لا تعنى أن الرئيس تطوع بتلك التصريحات، وإنما كان يجيب عن تساؤلات ويوضح التباسات الأمر الذى يدل على أن ملف الحريات وحقوق الإنسان ظل على طاولة اجتماعات الرئيس طول الوقت. عزز ذلك أن المفوضية العليا لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة كانت قد عبرت عن «قلقها الشديد» إزاء قمع السلطات المصرية لنشطاء حقوق الإنسان وصدور قرارات بتجميد أنشطة ومصادرة أموال مجموعة من أبرزهم.
وهو ما أدانته الخارجية الأمريكية فى بيان صدر أثناء وجود الرئيس فى نيويورك، كما أن موقع سى. إن. إن الإخبارى ذكر أن السيدة كلينتون دعت الرئيس المصرى لإطلاق سراح الناشطة المصرية آية حجازى المحتجزة فى مصر منذ عام ٢٠١٤.
أكرر ما سبق أن قلته من أننى لست معنيا باستجلاب رضى الأجانب عن الوضع القائم فى مصر. إذ إن أكثر ما يهمنى هو ما يخص المصريين ونصيبهم من الحقوق والحريات الذى هو بكثير دون ما تمنيناه قبل الثورة فما بالك به بعدها. وهو إشكال لا حل له إلا بالإقدام على إصلاح سياسى حقيقى يجنبنا مأزق الخطاب المزدوج للداخل والخارج، كما يجنبنا مظان الاتهام وحرج الوقوف فى القفص والتعرض للانتقاد والملامة فى المحافل الدولية طول الوقت.