بقلم فهمي هويدي
لم نفهم شيئًا مما نشرته وسائل الإعلام المصرية عن الشبهات المثارة حول فساد المعلبات والمنتجات الغذائية التى تصدر إلى الخارج. وهى التى أشار إليها تقرير منظمة الغذاء والدواء الأمريكية، ورغم أن سمعة الصادرات المصرية تهمنا، وكذلك صحة الأوروبيين والأمريكيين الذين يتداولون تلك السلع، إلا أن الذى يهمنا بدرجة أكبر هو صحة ملايين المصريين، الذين يستهلكون تلك المنتجات فى صمت وصبر، ولا يجدون من يبصرهم بحقيقة ما يتناولونه.
كل ما قرأناه أن المنظمة الأمريكية تحدثت عن شبهات طالت سلامة تلك المنتجات فى تقرير لها تحدث عن دول عدة بينها مصر. أما رد الفعل المصرى فقد تراوح، بين التشكيك فى دقة تلك المعلومات، والتشكيك فى مقاصدها، حيث اعتبرها البعض ضمن الجهود التى تبذل لتشويه سمعة مصر والحرب الإعلامية التى تشن ضدها.
أيًا كان رأينا فى الاتهامات فإنها لم توضح للمواطن المصرى أوجه الخطأ أو الصواب فى التقدير العلمى. وكل ما تلقيناه كان تعليقات واجتهادات شخصية فى الموضوع. لكننا لم نسمع عن تصريح رسمى أو بيان شافٍ من وزارة الصحة مثلًا يصوب ما قيل أو ينفيه. وبذلك تركنا نهبًا للحيرة والبلبلة.
لا أخفى أن الصدى عندى أضاف الشك إلى جانب الحيرة والبلبلة. إذ لم أستبعد صحة بعض المعلومات التى وردت فى التقرير الأمريكى لثلاثة أسباب هى: الأول أن الفساد فى مصر أصبح متفشيًا بصورة لا يستبعد معها أن يتخلل عمليات التصدير والتعليب. حيث لا يعقل مثلًا أن يشيع الفساد فى مختلف المجالات، فى حين يستثنى قطاع تصدير المعلبات والمنتجات الزراعية. السبب الثانى أن أجهزة الدولة معنية بالأمن السياسى بحيث لم يعد الأمن الاجتماعى واردًا ضمن أولوياتها. ذلك أن شغلها الشاغل أصبح محصورًا فى مراقبة النشطاء السياسيين، أما رقابة الأسواق أو التدقيق فى عمليات الإنتاج السلعى فهو من اختصاص الأجهزة البيروقراطية عديمة الهمة وضعيفة الفاعلية. ورغم أن انتشار الفساد فى قطاع المنتجات الغذائية يعد إرهابًا حقيقيًا، إلا أنه يهدد المجتمع ولا شأن له بالنظام أو السلطة. السبب الثالث أن قيمة المساءلة والمحاسبة لم تترسخ بعد فى مجتمعنا. وتجربتنا مع مجلس النواب أقنعتنا بأننا لا نستطيع أن نعول عليه فى مساءلة الحكومة فى مثل هذه الأمور أو غيرها. كما أن ما جرى لرئيس جهاز المحاسبات السابق، المستشار هشام جنينة، كان درسًا قويًا يحذر أجهزة الرقابة على الفساد من ملاحقته فى جميع مصادره، لأننا رأينا كيف عوقب المستشار جنينة حين فضح حجم الفساد، فعزل من منصبه وحكم عليه بالسجن وفصلت ابنته من وظيفتها.
لأن الحوار حول موضوع فساد الأغذية غاب عن وسائل الإعلام المقروءة والمرئية، فإن القضية باتت حية عبر مواقع التواصل الاجتماعى. حينئذ وجدت بعض أبواق السلطة أن الحل لا أن يؤخذ الأمر على محمل الجد، بحيث تشكل لجنة أو فريق عمل ــ مثلًا ــ لتحرى الحقيقة وطمأنة الرأى العام. وإنما فضلوا فتح ملف تلك المواقع، وإثارة الشبهات حول دورها فى ترويج الشائعات والأكاذيب. حتى بدا وكأن الحل أن توقف تلك المواقع وتحظر أنشطتها، إعمالًا للقاعدة التى تقول بأن «الباب الذى يأتيك منه الريح أغلقه لتستريح». وهو ذاته نمط التفكير الذى برز حين تم تصوير التعذيب فى أحد أقسام الشرطة من خلال جهاز المحمول، فعالج بعض الجهابذة الأمر بحظر دخول تلك الأجهزة الشريرة إلى مقار أقسام الشرطة وأماكن احتجاز المعتقلين!
وإلى أن نسمع كلامًا محددًا يوضح لنا الحقيقة فيما نتناوله من أغذية سنظل فريسة للحرية والبلبلة والشك.