بقلم فهمي هويدي
نقض مجلس الدولة قرار رئيس جامعة القاهرة بفصل الدكتور حسن الشافعى رئيس مجمع اللغة العربية ونائبه فى المجمع الدكتور محمد حماسة من عملهما كأستاذين غير متفرغين بكلية دار العلوم بحجة أنهما يجمعان بين وظيفتين، الأمر الذى أدعى فيه أنه يشكل مخالفة للقانون.
وكان رئيس الجامعة الدكتور جابر نصار قد أصدر قراره المفاجئ فى الصيف الماضى، متجاهلا أن بعض رؤساء الجامعات انتخبوا لرئاسة مجمع اللغة العربية واحتفظوا بأستاذيتهم فى الجامعة، ولم يخطر على بال أحد أن يتخذ بحقهم مثل ذلك الإجراء الشاذ.
ومن هؤلاء أعلام معروفون فى المقدمة منهم الدكاترة طه حسين وإبراهيم بيومى مدكور وشوقى ضيف، وكان قرار رئيس الجامعة قد أثار ضجة فى مصر ليس فقط لشذوذه. ولكنه أيضا لأنه استهدف اثنين من كبار العلماء فى الفلسفة والنحو، ممن شكل انتخابهم لعضوية المجلس إضافة لوزنه العلمى ولدوره المعرفى. إزاء ذلك أصبح الاستنتاج الراجح محصورا فى اعتبار قرار رئيس الجامعة إجراء أمنيا وسياسيا عمد به الدكتور جابر نصار إلى تصفية حساباته الخاصة التى التقت مع الضغوط الأمنية التى استهدفت الرجلين باعتبارهما من خارج مجموعة اللون الواحد التى تتصدر واجهات الوظائف العامة. وكنت أحد الذين وصفوا قرار رئيس الجامعة آنذاك عن أنه «أحدث فضائح البطش السياسى»، فيما نشر فى يوم 26 أغسطس الماضى.
ما يلفت النظر فى فتوى لجنة مجلس الدولة التى رأسها المستشار مهند محمود كامل عباس أنها رجعت إلى مختلف المصادر القانونية ذات الصلة بالموضوع من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات إلى قانون إعادة تنظيم مجمع اللغة العربية إلى فتاوى الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع المتعلقة بنظام الأساتذة غير المتفرغين، ولم تجد فيها سندا قانونيا يدعم ادعاء رئيس جامعة القاهرة أو يبرر قراره فصل العالمين الجليلين. وفى استعراض تلك المصادر القانونية فإن اللجنة الثانية للفتوى أيدت ضمنا الانطباع القائل بأن رئيس الجامعة أصدر قراره للاعتبارات السياسية والأمنية وليس لاعتبارات قانونية. خصوصا أن الرجل كان أصلا أستاذا للقانون الدستورى، وما كان له أن يتجاهل العوار فى قراره. الأمر الذى يفسر بأحد احتمالين كل منهما أسوأ من الآخر. فإما أن يكون الرجل فعلها عامدا، وإما أنه أخطأ فى قراءته للموقف القانونى خطأ جسيما يرقى إلى مستوى العمد. وهو ما يدعونى إلى إعادة النظر فى صياغة العنوان الذى سبق أن تخيرته لتعليقى على قراره. إذ كان كالتالى: أزمة أعراف وأخلاق، حيث اعتبرت ذلك توصيفا يليق بما فعله رئيس الجامعة حين عمد إلى فصل أستاذ أساتذته بذلك الأسلوب الجارح وغير اللائق (الدكتور الشافعى عمره 85 عاما). وبعد التحليل الذى أورده رئيس لجنة الفتوى وكشف فيه عن خطأ التفسير والتأويل الذى وقع فيه رئيس الجامعة أستاذ القانون السابق، فإننا نصبح بصدد أزمة معرفية أيضا، إضافة إلى أزمة الأعراف والأخلاق.
بعد استعراض وتفنيد الأسانيد القانونية جاء قرار اللجنة الثانية لمجلس الدولة كالتالى: «إن الالتحاق بعضوية مجمع اللغة العربية ــ ومن ثم رئاسة ونيابة مجلس المجمع ــ لا يعد شغلا لوظيفة عامة لاختلاف طريقة شغلها عن الطرق القانونية المنظمة لشغل الوظائف العامة وكذا طرق إنهاء الخدمة، بالإضافة إلى عدم تقاضى أعضاء مجمع اللغة العربية راتبا عن القيام بمهامهم الملقاة على عاتقهم بل مكافآت تحدد من مجلس المجمع، وأن مدة رئاسة ونيابة مجمع اللغة العربية هى مدة مؤقتة وليست دائمة وهو ما يوضح بجلاء لا لبس فيه اختلاف النظام القانونى الحاكم لأعضاء مجمع اللغة العربية عن النظام القانونى لسائر العاملين المدنيين بالدولة وفقا لما أسلفناه بما مؤاده عدم اعتبار أعضاء مجمع اللغة العربية من الموظفين العموميين، ومن ثم انتهت هيئة اللجنة إلى عدم اعتبار الرئاسة والنيابة المعروضة حالتاهما لمجمع اللغة العربية إبان كونهما أستاذين متفرغين بجامعة القاهرة جمعا محظورا بين وظيفتين حكوميتين لانتفاء صفة الموظف العام عن أعضائه بحسبان أن كلا من هاتين الصفتين تتميز عن الأخرى وتستقل عنها سواء من حيث مجال ممارستها أو من حيث النظام القانونى الذى يحكم التصرفات التى تباشر استنادا إليها الأمر الذى لا يسوغ معه الخلط بينهما لمجرد أنهما خلعا على شخص واحد. والقول بغير ذلك يجافى مقتضيات التنظيم السليم وينبو عن الأصول الواجبة فى الإدارة فضلا عن مخالفته للقانون. بالإضافة إلى ما ينتج عنه من حظر شغل أساتذة الجامعات المتفرغين لعضوية مجمع اللغة العربية ــ ومن ثم رئاسة ونيابة مجلس المجمع ــ بغير مقتضى من الدستور والقانون سيما وأن المهام المنوطة بأعضاء مجمع اللغة العربية هى فى مجملها مهام بحثية فى المقام الأول أجدر من يقوم بها أساتذة الجامعات وفقا لاختصاصهم الأصيل.
فى ضوء هذا البيان انتهت لجنة مجلس الدولة إلى «عدم اعتبار رئاسة الدكتور حسن الشافعى لمجمع اللغة العربية وكذا شغل الدكتور محمد حماسة عبداللطيف لمنصب نائب رئيس المجمع إبان كونهما أستاذين متفرغين بجامعة القاهرة جمعا محظورا بين وظيفتين حكوميتين».
ثمة قضيتان مرفوعتان ضد رئيس الجامعة من الدكتورين الشافعى وحماسة، يمكن أن يتم التنازل عنهما إذا امتثل الدكتور نصار لفتوى لجنة مجلس الدولة، وإذا رفضها فإن النزاع سوف يستمر حتى يفصل فيه القضاء.