توقيت القاهرة المحلي 08:04:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل الكتابة خدعة؟

  مصر اليوم -

هل الكتابة خدعة

بقلم فهمي هويدي

هل صحيح أن الكتابة خدعة كما هو الحال فى الحرب؟ فى رأى الدكتور جلال أمين أنها كذلك فعلا، وهو ما أورده فى مقالة نشرتها له جريدة الأهرام (عدد ٥/١٢) كان عنوانها: «الحرب خدعة وكذلك الكتابة». وفى دفاعه عن وجهة نظره فإنه عرض مجموعة من الشواهد والقرائن التى تثبت كيف يحتال بعض الكتاب لتسويق أنفسهم وتلميعها، ثم خلص فى النهاية إلى أن الخداع لا يقتصر على الحرب والكتابة، لأنه فى كل علاقة اجتماعية مجال محتمل للخديعة، «لكن الخداع فى الكتابة أثقل على القلب منه فى أشياء أخرى، لأننا فى الكتابة نفترض وجود التزام أخلاقى فى أكثر مما نفترض فى غيرها من أوجه السلوك الاجتماعى وهو السبب نفسه الذى يجعلنا نستهجن الخداع فى مهنة الطب أو المحاماة أو فى الخطاب الدينى، أكثر مما نستهجنه فى الرعاية الفكرية أو السياسية».

ما كتب الدكتور جلال يستحق المناقشة من أكثر من وجه، لكنه لا يخلو من مفارقة. لأن ما يكتبه هو يكتسب جاذبية ليس فقط بما فيه من براعة وتشويق ولكن أيضا مما فيه من صدق. تجلى ذلك الصدق فى كتابه «ماذا حدث للمصريين»، كما تجلى بصورة أبعد فى كتابه «ماذا علمتنى الحياة»، حتى أزعم أنه فى كتابه الأخير بالغ فى صدقه لدرجة أنه ذكر فيه عن أبيه ما كنت أفضل تجنبه والسكوت عنه. لذلك فلو أنه قال إن «بعض» الكتابة خدعة لوافقته بلا تردد. لكنه حين ساوى بين الحرب والكتابة فإنه اضطرنى إلى الاختلاف معه. ذلك أن الخدعة أصل فى الحرب كما أنها تحسب للمحارب وتعد فضيلة تعبر عن ذكائه وكفاءته. أما الخدعة فى الكتابة التى تستهدف تضليل القارئ فهى استثناء. وهى رذيلة تحسب على الكاتب، وتفضح عجزه وفقره الفكرى. وإذا كان النجاح فى الحرب يقاس بمعيار قدرة المحارب على الخديعة واخفائه مخططاته، إلا أن النجاح فى الكتابة يقاس بمعيار شجاعة الكاتب فى كشف الحقيقة وفضحها أمام الرأى العام.

الاحتيال فى الكتابة صنفان، أحدهما مرذول والآخر مبرر ومقبول. الأول يتطوع به المرء لتضليل القارئ وإيهامه بغير الحقيقة. أما الثانى فهو ما يضطر إليه الكاتب فى أجواء التضييق على الحريات، وهذا الاحتيال الأخير له صور شتى، منها التلميح دون التصريح، ومنها ذكر جزء من الحقيقة وليس كلها، ومنها الاستشهاد بحقائق الدول الأخرى المشابهة للفت الانتباه إلى ما هو حاصل فى الداخل، وكان الأستاذ أحمد بهاء الدين أستاذا فى تسجيل اعتراضه على ما لا يقتنع به. ذلك أنه كان يقول دائما إن الرأى يمكن التعبير عنه بالعديد من العبارات التى لا ينتبه إليها من يراقب ويتصيد. حتى إنه حين كان يريد تسجيل اعتراضه على بعض الأحداث المهمة، فإنه كان يتعمد تجاهلها والكتابة خارج الموضوع كالحديث عن الطقس أو «باروكات» المذيعات، وهو ما كان يغضب الرئيس السادات كثيرا على ما سمعت من الأستاذ هيكل أكثر من مرة.

الدكتور جلال أمين أدان الكتاب الذين يخدعون الناس، ولم يذكر أن وعى القراء تزايد بحيث أصبحوا يميزون بين الصادق وبين المخادع والكذوب. وقد تمنيت أن يدين بنفس القدر تراجع هامش الحريات الذى يحتفى بالكتاب المخادعين ويضطر الصادقين والكتاب الحقيقيين إما إلى الاحتيال والحذر فى التعبير عن الحقيقة، أو إلى الاختيار بين الهجرة إلى الخارج أو إيثار الصمت والاختفاء.

نقطة أخرى مهمة أثارها الدكتور جلال أمين متعلقة بالالتزام الأخلاقى المفترض سواء فى الصحفيين أو غيرهم من المهنيين، ذلك أننا ينبغى أن نعترف بالتراجع المشهود فى منظومة القيم الأخلاقية السائدة فى تلك القطاعات. وهو ما اتفق معه فيها، ويحتاج إلى دراسة وتحليل. ذلك أننا بصدد أوضاع ضاغطة استخرجت من الناس أسوأ ما فيهم، الأمر الذى أتمنى أن يسهم الدكتور أمين فى استجلائه فى نطاق بحثه الدءوب فى التعرف عما جرى للمصريين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل الكتابة خدعة هل الكتابة خدعة



GMT 12:48 2016 الأحد ,11 كانون الأول / ديسمبر

بشرى للاعبين المحليين

GMT 14:23 2016 الأربعاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

أحرجتنا ماليزيا

GMT 11:38 2016 الثلاثاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

الإصلاح السياسى مقدم على الإصلاح الدينى

GMT 12:04 2016 الخميس ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

التغريبة الثالثة

GMT 12:25 2016 الأربعاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكنائس إذ ترفع الأذان

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon