توقيت القاهرة المحلي 14:41:59 آخر تحديث
  مصر اليوم -

يصدمنا ويدهشنا

  مصر اليوم -

يصدمنا ويدهشنا

بقلم فهمي هويدي

ما حدث فى نقابة الصحفيين المصريين يصدمنا ويدهشنا. يصدمنا لأنه عمل غير مسبوق، لم تتعرض له النقابة منذ إنشائها قبل ٧٥ عاما. ويدهشنا لأنه لم يكن له ما يبرره، والإساءة فيه للنظام والمجتمع بمثل جسامة العدوان الذى حدث على النقابة. وذلك منطوق يحتاج إلى بعض التفصيل.

قبل التفصيل أنبه إلى أننا لسنا بصدد مشكلة تخص الصحفيين وحدهم. ومن التبسيط الشديد أن يقال إن هؤلاء يسعون إلى التميز أو أن على رأسهم ريشة كما يقال.. ومن السخف أن يقول قائل بأن الصحفيين يتطلعون إلى استصدار قانون يعاقب كل من يدوس لهم على طرف ويحظر ازدراءهم. ذلك أن ما جرى يعد نموذجا لاستباحة الحرمات والكرامات الذى دأبت عليه الأجهزة الأمنية، بعدما باتت تتصرف وكأنها فوق القانون وفوق المساءلة والحساب.

لا أعرف من اتخذ قرار الاقتحام وتذاكى لكى يقوم به فى يوم عطلة، لكى يبدو وكأن الجميع فى إجازة وأنه من المتعذر الاتصال بأى مسئول فى النقابة، فى التفاف على نص القانون الذى يحظر تفتيش المقر إلا بمعرفة أحد أعضاء النيابة وبحضور نقيب الصحفيين. لكن الذى أعرفه أن ما جرى نموذج للاستهتار الذى تمارسه بعض الأجهزة الأمنية. التى لم تعد تبالى بكرامات الناس ولا بحرماتهم وفى بعض الأحيان لا يبالى بعض عناصرها بحق الآخرين فى الحياة. ومنشورة على صفحات الصحف قصص الأفراد الذين قتلهم بعض رجال الشرطة لأسباب تافهة تراوحت بين ثمن كوب شاى أو مزاحمة فى الطريق العام. حتى اعتبرنا أطباء مستشفى المطرية محظوظين لأنهم سحلوا وتعرضوا للضرب فقط على أيدى بعض أمناء الشرطة ولم يتعرضوا لما هو أسوأ من ذلك!

إن أى نقابة هى بيت أعضائها والمنتسبين إلى المهنة، ويفترض فى هذه الحالة أن تحظى بحصانة أدبية تحفظ لها مكانتها ودورها، وعند أهل الرشد والعقل فإن من دخل النقابة يفترض أنه أصبح آمنا. ليس لأنها مكان استثنائى، ولكن لأن النقابات ضمن مؤسسات المجتمع المدنى التى ينبغى أن تحظى بالاحترام والهيبة، شأنها شأن مؤسسات المجتمع الأخرى. واقتحام الشرطة للنقابة لأى سبب يعد إهانة لها وإهدارا لقيمة مهمة من قيم المجتمع المدنى.

وإذا افترضنا جدلا أن المعتصم بالنقابة مطلوب للعدالة لأى سبب فتنفيذ أمر القبض والإحضار لا يجادل أحد فى وجوبه، ولكن لذلك أسلوب واجب الاتباع ولابد أن يكون للنقيب دور فيه. وهذا الذى أذكره ليس ابتداعا ولا هو اختراع ولكنه يمثل الحد الأدنى الذى يتعين الالتزام به لاحترام مؤسسات المجتمع المدنى، لذلك فإن غيرته ليست على النقابة وحدها ولكنها أيضا وبدرجة أكبر على المجتمع المدنى ككل.

جرأة الأجهزة الأمنية على اقتحام مقر نقابة الصحفيين تعبير عن عمق الأزمة التى نواجهها، والتى باتت تتمثل فى الفجوة المتنامية بين السلطة والمجتمع. وكنت قد ذكرت فى مقام سابق أن المصالحة الواجبة والمطلوبة بإلحاح ليست تلك التى تثار فى صدد العلاقة بين السلطة والإخوان، لأن المشكلة لها بعد أخطر لأنها باتت تخيم بشدة على علاقة السلطة بالمجتمع.

وذلك ينقلنا إلى الشق الآخر فى الأزمة التى قلت إنها تصدمنا كما أنها تدهشنا. إذ لا يستطع المرء أن يخفى دهشته إزاء ذلك الخلل الجسيم فى الحسابات، الذى يجعل الداخلية تقتحم النقابة لتلقى القبض على اثنين من الصحفيين فى حين أن الأمر يمكن تحقيقه بوسائل أخرى. وتتضاعف الدهشة إذا علمنا أن الاتصالات كانت قد بدأت بين نقيب الصحفيين وبين مسئولى الداخلية قبل الاقتحام ولكن جهة أمنية ما قررت إجراء الاقتحام قبل أن تتوصل الاتصالات إلى شىء وقبل التأكد من فشلها، وهو ما يحيرنا ويدعونا إلى التساؤل عن أسباب التسرع فى الاقتحام. وفى هذه الحالة فإن المرء لا يستطيع أن يستبعد الإصرار على القمع وتوجيه رسالة «تأديب» إلى الجميع تحذرهم من مغبة معارضة السلطة أو التمرد عليها، وإذا صح ذلك فإنه يغدو تأكيدا لغضب السلطة ودعوتها إلى وقف الاحتجاجات المفترضة، ثم أثبتت الأيام أنه كان صحيحا وأن التوجيه نفذ بمنتهى الشدة والحزم.

تلاحقنا الدهشة أيضا حين نلاحظ أن اقتحام النقابة حدث فى توقيت يتصاعد فيه مؤشر الغضب فى مصر، سواء بسبب ضيق الناس بارتفاع الأسعار أو فجيعتهم إزاء أداء البرلمان، أو بسبب حملة السلطة على منظمات المجتمع المدنى، أو التوسع فى المحاكمات العسكرية، وتزايد انتهاكات الأجهزة الأمنية، وصولا إلى ردود الأفعال السلبية التى ترتبت على موضوع الجزيرتين... إلخ. إذ حين تقتحم النقابة فى هذه الأجواء وتفتح معركة جديدة مع جموع الصحفيين الذين تلقوا الصفعة واستشعروا الإهانة، فمعنى ذلك أن ثمة خللا فى آلية إصدار القرار جعلته يسهم فى تأجيج الغضب وتعميق الفجوة بين السلطة والمجتمع. لنا كلام آخر فى الموضوع غدا بإذن الله.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يصدمنا ويدهشنا يصدمنا ويدهشنا



GMT 12:48 2016 الأحد ,11 كانون الأول / ديسمبر

بشرى للاعبين المحليين

GMT 14:24 2016 الجمعة ,09 كانون الأول / ديسمبر

هل الكتابة خدعة؟

GMT 14:23 2016 الأربعاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

أحرجتنا ماليزيا

GMT 11:38 2016 الثلاثاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

الإصلاح السياسى مقدم على الإصلاح الدينى

GMT 12:04 2016 الخميس ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

التغريبة الثالثة

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon