توقيت القاهرة المحلي 07:37:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحظر إذ يستهدف الجماعة الوطنية المصرية

  مصر اليوم -

الحظر إذ يستهدف الجماعة الوطنية المصرية

بقلم فهمي هويدي

حظر النشر فى قضية الصحفيين حلقة فى مسلسل الرسائل الموجهة إلى الجماعة الوطنية المصرية بأكثر منها إلى الجماعة الصحفية.

(١)

تقول النكتة إن طفلا عاد من مدرسته باكيا. ولما سأله أبوه المسئول الكبير عن سبب بكائه. أخبره الطفل بأنه تعارك مع زملائه الذين قرروا الانتقام منه والتشهير به على جدران المدرسة وعبر الفيسبوك. عندئذ ربت الأب على كتف الطفل وطمأنه قائلا إنه سيصدر قرارا بحظر النشر يحل له الإشكال من أساسه.

مثل هذه التعليقات وفيرة على مواقع التواصل الاجتماعى هذه الأيام. وهى تكثر تبعا لزيادة قرارات حظر النشر التى باتت موضع تندر ودهشة. عبر عن شىء من ذلك الدكتور نور فرحات أستاذ القانون الذى كتب على صفحته قائلا: لا تنشروا قرارات حظر النشر. وإنما الأفضل والأكثر واقعية أن تنشر على الملأ قرارات السماح بالنشر.

السخرية المرة فيما سبق أو الغمز المهذب لها دلالة تستوقف أى باحث لتحليل المضمون. ذلك أنهما لا يعبران عن الذكاء الاجتماعى فحسب وإنما يعبران أيضا عن الاحتجاج والانتقاد إزاء استهلاك المصطلح وابتذاله. وليس خافيا أن ذلك حدث بعدما تكرر سوء الاستخدام الذى أفقد المصطلح رنينه وهيبته. وهو ما يسرى على قيم ومصطلحات أخرى عبر المجتمع عن استيائه إزاء إساءة استخدامها بالسخرية منها. 

(٢)

يوم الثلاثاء الماضى (٣/٥) حين غضب الصحفيون المصريون لاقتحام نقابتهم لأول مرة فى تاريخها، لإلقاء القبض على اثنين من الزملاء، فوجئت الجماعة الصحفية ببيان صادر عن النائب العام يحظر النشر فى قضية الزميلين، باعتبار أن ما نسب إليهما «يمس سلامة وأمن البلاد». من ثم أغلق باب الحديث فى موضوع القضية أمام جميع الصحف والمجلات القومية والحزبية والمحلية والأجنبية، واستثنيت من ذلك البيانات التى تصدر من مكتب النائب العام بخصوص الموضوع.

القرار جاء بمثابة إشهار للبطاقة الحمراء التى فرضت الصمت على الجميع وحذرت الإعلاميين من الكلام فى القضية التى فجرت غضب الصحفيين. وكان ذلك أمرا غريبا لا يخطر على البال. فالموضوع كله يخص الجماعة الصحفية ولا علاقة له بأسرار الدولة ولا بالأمن القومى. وحدود القضية والاتهامات التى نسبت إلى الزميلين لم تتجاوز التظاهر أو الدعوة إليه. بالتالى لم يكن هناك ما يبرر الحظر، لا فى ملابسات القضية ولا تفصيلاتها. ولأن الأمر كذلك فقد فهم قرار الحظر على أنه دعوة للسكوت واحتواء الموضوع كله. سواء فى شقه المتعلق بقضية الزميلين، أو فى ملابسات حصار النقابة واقتحامها بواسطة الشرطة أو حشد البلطجية وأرباب السوابق للتظاهر أمام النقابة دفاعا عن الداخلية والحكومة أو لمهاجمة الصحفيين والاعتداء عليهم.

حين صدر قرار الحظر قلت إنه تضمن بطاقتين وليس بطاقة واحدة. واحدة حمراء تخص قضية الزميلين، والثانية صفراء تخص الجماعة الصحفية، الأولى كانت دعوة للصمت والثانية كانت إنذارا للصحفيين دعاهم إلى «لملمة الدور» كما يقال. وهو ما أثبتته الأيام اللاحقة، لأن الإشارات التى تلقتها الصحف من الجهات المعنية خلال تلك الفترة كانت تفعيلا لمضمون البطاقة الصفراء، وتبين بعد ذلك أننى كنت متفائلا وحسن الظن، لأن ما حدث كان أبعد وأفدح. إذ تبين أن حظر النشر كان مقدمة لحظر مجلس النقابة والانقلاب عليه. إذ فوجئنا باجتماع لفريق من «الشرفاء» بالمفهوم المبتدع فى هذا الزمان، دعا إلى عقد جمعية عمومية لسحب الثقة من مجلس النقابة، لأنه تمادى وتجرأ حين عبر عن غضب الجماعة الصحفية وطالب بمحاسبة المسئولين عن اقتحام النقابة ورد الاعتبار لها. وإذ لا نعرف كيف سيتطور الأمر بعد ذلك، وما إذا كان سيحدث انقلابا فى داخل النقابة أو سيؤدى إلى شق الصف الصحفى، فإن ما يهمنا فى السياق الذى نحن بصدده أن قرار الحظر بدا وكأنه جزء من حملة ترتيب الانقلاب المفترض.

(٣)

منذ بدايات عام ٢٠١٤، كثرت بشكل ملحوظ قرارات حظر النشر، حتى رصد الباحثون صدور ١٤ قرارا بالحظر منذ ذلك الحين إلى الآن. ومن أبرز القضايا التى شملها الحظر ما يلى: قضية قتل الناشطة شيماء الصباغ التى حملت الزهور مع آخرين فى تظاهرة سلمية كانت متجهة إلى ميدان التحرير ــ قضية المحامى كريم حمدى الذى قتله أحد الضباط أثناء تعذيبه ــ قضية التخابر مع قطر ــ اغتيال النائب العام السابق هشام بركات ــ قاضى مدينة نصر الذى اتهم فى طلب رشوة جنسية ليحكم لصالح سيدة فى إحدى القضايا ــ فساد وزير الزراعة السابق ــ المحطة النووية بالضبعة ــ تورط بعض الضباط ورجال النيابة فى الفساد وتهريب الآثار ــ اختطاف أحد الضباط فى شمال سيناء ــ اتهام رئيس هيئة الموانئ ببورسعيد بعد ضبطه متلبسا بالرشوة ــ قضية المستشار هشام جنينة رئيس جهاز المحاسبات السابق بعد البيانات التى أعلنها بخصوص إهدار المال العام... إلخ.

المدهش فى هذه القائمة أن الباحث لا يستطيع أن يجد فى عناوينها ما يمكن أن يوصف بأنه تهديد للأمن القومى، الأمر الذى يؤيد ما ذكره عدد غير قليل من الخبراء القانونيين من أن حظر النشر أصبح فى حده الأدنى غطاء قانونيا لحجب المعلومات ولا علاقة له بمتطلبات الحفاظ على الأمن القومى، وهو العنوان الفضفاض والمطاط الذى أصبح يتسع لما لا حصر له من التأويلات. ولدى الحقوقيين من النشطاء مادة وفيرة فى نقد إساءة استخدام فكرة الحظر على نحو إفراغها من مضمونها الحقيقى، وعلى من يريد الاستزادة فى ذلك أن يرجع إلى إصدارات الشبكة المصرية لحقوق الإنسان والمجموعة المتحدة ومركز القاهرة لحقوق الإنسان.

أضيف إلى ما سبق أن حظر النشر لم يستخدم فقط لحجب المعلومات فى أمور لا علاقة لها بالأمن القومى، لكنه وظف أيضا لتصفية الحسابات مع أشخاص رفع عنهم الرضا وأريد الايقاع بهم وتشويههم. وذلك كان شديد الوضوح فى قضية المستشار جنينة الذى انفتح الباب على مصراعيه للتنديد به وتوجيه الاتهامات إليه، وحين بدأت الحقائق تتكشف وجاء الدور على الرجل لكى يرد على ما نسب إليه فطلب أن يناقش الموضوع فى جلسة علنية بمجلس الشعب. حينئذ صدر قرار حظر النشر. وهو ما فهم منه أن تشويهه كان مطلوبا للتمهيد لعزله فى وقت لاحق (وهو ما حدث) أما إظهار الحقيقة فقد كان مرفوضا، وهو ما تكفل به حظر النشر.

(٤)

السؤال الآن هنا: هل يخدم دولة العدل والاستقرار أن يوضع حظر النشر فى موضعه بحيث يعلن النائب العام على الملأ الأسباب التى تدعوه إلى فرض الحظر، أم تطلق يده فى الحظر بحيث يصدره دون حيثيات مستلهما فى ذلك اتجاهات الريح السياسية؟ ــ ردى السريع على السؤال أن إيراد أسباب الحظر يخدم حقا دولة العدل، أما إخفاء الأسباب والاستمرار فى إطلاق يد النائب العام ليقرر الحظر من جانبه دون حيثيات فإنه لا يخدم دولة العدل وإنما يظل من متطلبات دولة الأمن.

إن الدستور ينص فى المادة ٦٨ على أن «المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية». وهذا النص وحده كفيل بإبطال أغلب أوامر حظر النشر، لسبب جوهرى هو أنها تتناقض مع مضمونه وتصادر الإفصاح عن المعلومات وتهدر الحق فى المعرفة الذى يوفره للمواطنين.

لا أجد فى تحرير هذه النقطة أوفى مما ذكره رئيس محكمة القضاء الإدارى المستشار يحيى دكرورى نائب رئيس مجلس الدولة، فى حيثيات قراره إلغاء قرار النيابة العامة بحظر النشر فى الحكم الذى أصدرته فى ١٩ يناير الماضى فى قضية تزوير الانتخابات الرئاسية التى أجريت عام ٢٠١٢. ذلك أن المحكمة وجهت انتقادات حادة لسياسة حظر النشر فى قضايا الرأى العام. إذ ذكرت فى قرارها الذى عرضه الزميل محمد نابليون فى جريدة «الشروق» يوم ٦ مايو أن «الأخبار والمعلومات التى تخص الشأن العام تعتبر من أدوات تشكيل الرأى العام، وأن للمواطنين ولوسائل الإعلام الحق فى اللجوء لمصادر المعلومات الصحيحة للحصول عليها وتداولها ونقلها، وإجراء النقاش والجدل حولها، ليشكل كل مواطن رأيه فى الشئون العامة على هدى من نور الحقيقة ودون حجر على حرية الفكر». وأوضحت المحكمة أن «محتوى الإعلام يؤثر فى الرأى العام، فإذا كانت مادة الإعلام صحيحة وصادقة فى أخبارها ومعلوماتها أدرك الرأى العام حقيقة ما يجرى إدراكا سليما، أما إذا حرمت وسائل الإعلام من المعلومات والأخبار الصحيحة فإن ذلك ينعكس سلبا على الرأى العام».

حذرت المحكمة أيضا من مغبة التوسع فى حظر النشر وفتح أبواب الشائعات والأكاذيب، فقالت إن «كل مساحة تخلو فى وسائل الإعلام من المعلومات والحقائق تمتلئ بالأكاذيب والأضاليل، وكل خصم من العلم الصحيح بالحقائق يؤدى إلى زيادة الجهل والانتقاص من الوعى العام، ويؤدى إلى عدم مصداقية وسائل الإعلام ويصرف الناس عن متابعة الشأن العام، كما يجرد وسائل الإعلام من تأثيرها الإيجابى فى الدفاع عن حقوق وحريات المواطنين وتبنى قضاياهم». كما دافعت المحكمة عن حق المواطنين فى المعرفة والمعلومات، مؤكدة أن «كل تقييد لحق المواطنين ووسائل الإعلام فى الوصول إلى المعلومات الصحيحة والأخبار الصادقة على غير سند من القانون وبدون مبرر يستند للمصلحة العامة، يعد مخالفا للدستور ويهدر الحقوق التى أقرها للمواطنين ووسائل الإعلام».

لا يعيب هذا الكلام سوى أنه رأى قانونى يتكئ على الدستور وينطلق منه، وإذا أدركنا أن الأمر فيه من حسابات السياسة والأمن أكثر ما فيه من استحقاقات الدستور والقانون، فإن ذلك يقنعنا بأن ما ذكره المستشار دكرورى خارج الموضوع. من هذه الزاوية يبدو حظر النشر خطوة على طريق حظر المظاهرات وحظر السفر على البعض والإصرار على إغلاق مركز النديم لمساعدة ضحايا التعذيب والانقضاض على المنظمات الحقوقية المستقلة. وإذا صح ذلك فإن المشكلة تغدو متجاوزة حدود الجماعة الصحفية، وموجهة بالأساس إلى الجماعة الوطنية المصرية حاملة شعارات دولة العدل التى بشرت بها ثورة يناير ــ لذا لزم التنبيه والتنويه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحظر إذ يستهدف الجماعة الوطنية المصرية الحظر إذ يستهدف الجماعة الوطنية المصرية



GMT 12:48 2016 الأحد ,11 كانون الأول / ديسمبر

بشرى للاعبين المحليين

GMT 14:24 2016 الجمعة ,09 كانون الأول / ديسمبر

هل الكتابة خدعة؟

GMT 14:23 2016 الأربعاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

أحرجتنا ماليزيا

GMT 11:38 2016 الثلاثاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

الإصلاح السياسى مقدم على الإصلاح الدينى

GMT 12:04 2016 الخميس ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

التغريبة الثالثة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon