توقيت القاهرة المحلي 07:37:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

شهران بلا مياه!

  مصر اليوم -

شهران بلا مياه

بقلم فهمي هويدي

انقطعت المياه لمدة تجاوزت شهرين، فمات الزرع وجفت الأرض، فى حين جفت الحلوق جراء كثرة الشكاوى والاستغاثات، وبعدما ضاقت بهم السبل وبلغ الكرب ذروته قرر الناس إشهار الغضب والحزن والتوجه فى مسيرة غدا (الاثنين) إلى مقر مجلس المدينة رافعين الأعلام السوداء. وفى ذات الوقت قدموا طلبا للتصريح لهم بالاعتصام هناك لكى يوصلوا مظلمتهم إلى أولى الأمر عساهم يضعون حدا لمعاناتهم. كانت تلك خلاصة رسالة تلقيتها هذا الأسبوع، ووجدتها صعبة التصديق لأول وهلة. تحريت الأمر من جانبى ففوجئت بأن الخبر صحيح، وحصّلت المعلومات التالية:

- للقصة أصل فى محافظة الشرقية، وضحاياها سكان ١١ قرية صغيرة يزيد عددهم على ٢٥ ألفا. وهى تنتشر على أطراف مركز أولاد صقر ومشكلتهم مزمنة مع انقطاع المياه، التى شحت وندرت فى بعضها وانقطعت تماما فى البعض الآخر.


- قرية إبراهيم حسن نموذج لضحايا الانقطاع التام. إذ لم تصلها المياه منذ أكثر من شهرين حتى أصبح سكانها يتيممون للصلاة، فى حين انتشرت بينهم الأمراض الجلدية. وصاروا يستعينون بمياه الصرف للغسيل والنظافة.


- القرى الأخرى التى تعانى من العطش والجفاف هى: العزايزة ــ أباظة ــ موسى عوض جعفر ــ الحاج حسين ــ عبدالنبى ــ ١٥ مايو ــ حنورة واحد واثنين ــ محمد محمد ــ محمد حسين.


- فى السابق كانت تصل المياه إلى هذه القرى لفترات لا تتجاوز ساعتين فى اليوم. وكانوا يعتمدون بصورة أساسية على مياه الترع. وحين شحت مع تزايدت أعداد السكان، فإنهم لجأوا إلى شراء المياه، خصوصا فى مواسم الحصاد، حتى وصل سعر عبوة المياه (الجركن) إلى ثمانية جنيهات للواحدة.


- المياه إذا توافرت فإنها تأتيهم معبأة فى «فناطيس»، إما عن طريق مجلس المدينة أو بواسطة بعض الشركات مجهولة المصدر. وهذه المياه تستجلب من المراكز والقرى المجاورة بمحافظة الشرقية أو القرى الحدودية مع الدقهلية.


- مشكلة تلك القرى أنها تقع فى نهايات الترع. فى السابق كان يطبق نظام المناوبة لإيصال المياه إليها بالتناوب مع ترع أخرى. إلا أن ذلك النظام فشل بسبب انخفاض منسوب المياه وانتشار الجفاف.


- فى وقت سابق أقيمت محطة لرفع المياه التى أوصلتها ضعيفة إلى بعض المنازل دون غيرها. ثم توقفت تلك المحطة تماما، وقيل فى ذلك إن عطلا أصابها وأعجزها عن العمل.


- لحل الإشكال تبرع الأهالى بقطعة أرض لإقامة محطة مياه عليها، إلا أن شركة المياه رفضت ذلك بدعوى أن المسافة بعيدة بين منطقة سحب المياه وبين تجمعات الأهالى.


- أهالى القرى ــ التى تعرف بأنها توابع ــ نفد صبرهم بعدما طالت معاناتهم وأثرت بشكل فادح على حياتهم اليومية، وهم يطالبون بضرورة رفع كفاءة محطات المياه القائمة وربطها بمحطات محافظة الدقهلية الأقرب إليهم من محطات مركز أولاد صقر الذى يتبعونه.


- شكاواهم واستغاثاتهم أرسلت إلى رئيس المدينة والمحافظة، ولكن صوتهم لم يسمع بدليل أنهم لم يلمسوا أى إجراء لتخفيف معاناتهم. وإزاء ذلك قرروا أنه إذا لم يتحرك أحد من المسئولين فإنهم سيعلنون التمرد والخروج غدا بالرايات السوداء إلى مقر مجلس المدينة.


قصدت إيراد هذه المعلومات التى قد تبدو تفصيلا مملا لتبيان بعض جوانب الصورة التى عكست واقعا محملا بإشارات مؤرقة وموجعة، لكنه مسكوت عنه لسبب أو آخر. وفهمت من الذين تحدثت إليهم فى الزقازيق أن أهالى القرى المنكوبة أرسلوا شكاواهم إلى بعض الصحف القومية. التى تجاهلتها وحجبتها. وكان ذلك أحد العوامل التى دفعتهم إلى تنظيم مسيرتهم إلى مجلس المدينة غدا. كما أن حماسهم شديد لفكرة الاعتصام لإيصال صوتهم لمن يهمه الأمر.

ليس لدى تفسير لذلك الواقع العبثى الذى أحال بعض القرى إلى صحراء جرداء ماتت فيها الزراعات واضطر الناس للتيمم للصلاة. علما بأن وسائل الإعلام تحدثت فى وقت سابق عن جفاف وعطش مماثلين فى بعض قرى الصعيد. ولا أعرف ما إذا كان ذلك راجعا فقط إلى انخفاض منسوب مياه النيل هذا العام، أم أن له صلة بترتيبات ملء سد النهضة الإثيوبى فى العام المقبل، لكن ما أفهمه أن وقائع بتلك الجسامة تتطلب شفافية تشرح للرأى العام حقيقة ما يجرى، وطبيعة الجهود التى تبذل لمعالجة الأزمة واحتواء آثارها.

من المفارقات ان تعيش ١١ قرية فى الشرقية هذه المحنة، ولا يلمس الأهالى صدى لاستغاثاتهم لدى قيادات الحكم المحلى فى المدينة والمحافظة.
أما المفارقة الأكبر فتتمثل فى أن يحاصر الجفاف والعطش بعض قرى الدلتا والصعيد فى حين يشاهدون على شاشات التليفزيون إعلانات المدن والمنتجعات الجديدة التى تحفل بحمامات السباحة وتتوزع نوافير المياه على جنباتها.

من المفارقات أيضا أن تجلجل الأصوات والشكاوى تقرع الآذان فى فضاء القاهرة إذا ما انقطعت المياه لساعات محدودة فى بعض أحيائها، ولكن انقطاع المياه عن قرية إبراهيم حسن لأكثر من ستين يوما لا يسمع به أحد، ويظل خبرا منسيا يلتقطه المرء بمحض المصادفة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شهران بلا مياه شهران بلا مياه



GMT 12:48 2016 الأحد ,11 كانون الأول / ديسمبر

بشرى للاعبين المحليين

GMT 14:24 2016 الجمعة ,09 كانون الأول / ديسمبر

هل الكتابة خدعة؟

GMT 14:23 2016 الأربعاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

أحرجتنا ماليزيا

GMT 11:38 2016 الثلاثاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

الإصلاح السياسى مقدم على الإصلاح الدينى

GMT 12:04 2016 الخميس ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

التغريبة الثالثة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon