فهمي هويدي
لا زيارة وزير الخارجية المصرى لتل أبيب تبعث على الارتياح، ولا بيان المتحدث باسم الخارجية حول الموضوع يبعث على الاطمئنان. ذلك أن أى قارئ للصحف، ولا أقول أى باحث، لا يستطيع أن يبلع ما قاله المستشار أحمد أبوزيد عن أن الزيارة استهدفت توجيه «دفعة» لعملية السلام، فضلا عن أن التعبير الذى استخدمه عن أن العملية «فلسطينية إسرائيلية»، جاء مخيبا للآمال، لأنه أعطى انطباعا يوحى بأن العرب خرجوا من الموضوع، وأن المشكلة باتت محصورة بين الفلسطينيين والإسرائيليين فقط.
حكاية دفعة عملية السلام يتعذر أخذها على محمل الجد لعدة أسباب جوهرية. فحكومة إسرائيل التى يقودها الثنائى الإرهابى نتنياهو ــ ليبرمان، واعتبرت الأشد تطرفا فى تاريخ الدولة العبرية، ليست معنية بالسلام مع الفلسطينيين. وتوحشها وسعارها الاستيطانى أكبر شاهد على ذلك. ولأن السلطة الفلسطينية فى أضعف حالاتها والنظام العربى فى أتعس أطواره، فإن إسرائيل لا تكاد تجد مبررا واحدا لتقديم أى شىء للفلسطينيين، ولا حتى ورقة توت تحفظ ماء الوجه وتستر العورة. من ثم فإن أى مسئول إسرائيلى يفكر فى استرضاء الفلسطينيين بأى صورة فى الأجواء الراهنة سوف يتهم على الفور بالحماقة والغباء. خصوصا أنه فى ظل التنسيق الأمنى مع السلطة، فإن الحكومة الإسرائيلية لم تعد تقبل من الشعب الفلسطينى سوى شىء واحد هو الركوع.
إذا كان الأمر كذلك، فإن حكاية دفعة عملية السلام تصبح غير ذات موضوع، الأمر الذى يضفى غموضا على الزيارة التى استمرت عدة ساعات عاد بعدها السيد سامح شكرى إلى القاهرة. وإلى أن نفهم ما جرى من الصحافة الإسرائيلية فإن الخبر الصحيح الذى وصلنا عن الزيارة أن وزيرنا الهمام تابع مع نتنياهو مباراة نهائى يورو ٢٠١٦ بعد تناول طعام العشاء معه. ولأننى أشك كثيرا فى أن يكون الوزير ذهب لمشاهدة المباراة فى تل أبيب فإن أهداف الزيارة ستظل لغزا بالنسبة لنا على الأقل. (الصحف الإسرائيلية ذكرت أمس الأول (١١/٧) أن الأمر تعلق بترتيب زيارة نتنياهو للقاهرة ولقائه مع الرئيس السيسى).
ما أفهمه أن هناك مشروعين للتعامل مع القضية مطروحين فى الساحة السياسية فى الوقت الراهن. أحدهما تمثل فى المبادرة الفرنسية التى قدمت أفكارا لتحريك المياه الراكدة فى العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. الثانى خرج من مصر ولخصها وزير الخارجية فى كلمته أثناء الزيارة حين تحدث عن سلام شامل وعادل بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى (مرة أخرى العرب خارج الموضوع!) ووضع حدا نهائيا للصراع الطويل. وهى الفكرة التى استدعت إحياء المبادرة العربية التى تبنتها قمة بيروت فى عام ٢٠٠٢، ودعت إلى انسحاب إسرائىل الكامل من الأراضى العربية مقابل التطبيع الشامل مع العالم العربى. وكان رئيس الوزراء البريطانى الأسبق تونى بلير الذى أصبح أحد مستشارى السياسة العربية (صدق أو لا تصدق) قد سبق وألمح إلى الفكرة، مشيرا إلى استعداد بعض الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل إذا قبلت بالمبادرة العربية بعد إجراء بعض التعديلات عليها. وقد أعلن نتنياهو رفضه للمبادرة لكنه رحب بالانفتاح على العالم العربى.
الخلاصة أن المشروعين المطروحين حاليا أحدهما يتعامل مع العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، والثانى يفتح ملف التطبيع الإسرائيلى مع العالم العربى. وما عاد سرا أن إسرائيل تحفظت على المشروع الأول، فى حين لم ترحب فقط بالمشروع الثانى وإنما قطعت أشواطا مشهودة فى التطبيع مع بعض الدول العربية.
لا أستطيع أن أجزم بأن زيارة وزير الخارجية المصرى لها علاقة بالمشروع الثانى، لكن الثابت وشبه المعلن أن ذلك المشروع هو الذى يتحرك الآن. يرجح ذلك الاحتمال أن تعامل بعض دول الخليج مع إسرائيل انتقل من السر إلى العلن. كما أن اختيار أمين الجامعة العربية الجديد جاء متوافقا مع ذلك الاتجاه. يشهد بذلك سجل الرجل الذى يصنف سياسيا باعتباره صديقا لإسرائيل (له صورة شهيرة مع تسيبى ليفنى حين كانت وزيرة للخارجية قبل العدوان على غزة عام ٢٠٠٨). وخصومته للفلسطينيين عبر عنها تصريحه الذى تحدث فيه عن كسر أرجل من يحاول منهم عبور الحدود عند رفح. أما عداؤه لثورة ٢٥ يناير فيكفى فى التدليل عليه أنه كان وزيرا فى عصر مبارك الذى أسقطته الثورة.
يبدو المشهد ملتبسا ومقلقا، بحيث صرنا بحاجة ملحة لأن نعرف على وجه الدقة ما هى الحقيقة فيما نراه ونسمعه. ويرفع من وتيرة القلق أن يتم كل ذلك دون أن يحدث صداه المفترض فى أوساط النخب المصرية، فلا لجنة الشئون العربية بالبرلمان حاولت مناقشته، كما أن أغلب القوميين والناصريين واليساريين التزموا الصمت إزاءه. أما الرأى العام فهو مغيب وذاهل عما يجرى، سواء جراء انعدام الشفافية أو بسبب انشغال الجميع بالهموم اليومية والمعيشية. وإزاء الإحباط الذى أصابنا فما عدنا نأمل فى أن يحرر العرب فلسطين، لكننا صرنا نتمنى أن ترفع الأنظمة العربية يدها عن فلسطين.