نفى نتنياهو أنه وافق على التفاوض مع السلطة الفلسطينية استنادا إلى مبادرة السلام العربية. وقال إن الايجابية الوحيدة للمبادرة تكمن فى استعداد الدول العربية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، ولكى يقطع الشك باليقين أضاف أنه إذا تمسكت الدول العربية بمبدأ التعامل مع المبادرة ككل بمعنى أخذها كاملة أو تركها، فإن خياره فى هذه الحالة محسوم، ويتمثل فى ترك المبادرة بما فيها. لأن شرطه الأساسى أن يتم «تحديثها» بما يتناسب مع مصالح إسرائيل.
هذا الكلام يكذب وينسف الشائعة الخبيثة التى أطلقت فى الفضاء العربى أخيرا وادعت أن رئيس الوزراء الإسرائيلى وافق على المبادرة. وقد نقلته صحيفة «هاآرتس» على لسانه، مشيرة إلى أنه أعلنه صراحة خلال مؤتمر لحزب الليكود يوم الاثنين الماضى ١٣/٦.
شاءت المقادير أن ينشر الناشط والكاتب الإسرائيلى يورى افنيرى مقالة مهمة فضح فيها نتنياهو واتهمه بالكذب، قبل ٢٤ ساعة فقط من حديثه إلى مؤتمر الليكود.
نشر افنيرى مقالته على موقعه وتناقلتها عنه العديد من المواقع والصحف، وقد لفت نظرنا إليها الباحث حسام بهجت الذى قام بترجمتها ونشرها على موقع «مدى مصر» تحت العنوان التالى: لماذا رحب نتنياهو بالأفكار المصرية ورفض المبادرة الفرنسية؟ فى الإجابة عن السؤال ذكر افنيرى أن موقف رئيس الوزراء الإسرائيلى هو مجرد خدعة.
فالرجل يريد تخريب المبادرة الفرنسية التى استهدفت إحياء مفاوضات السلام والاعتراف بدولة فلسطين، أما الأفكار المصرية فقد استهدفت تحقيق السلام الإقليمى. وفى رأيه أن نتنياهو لا يريد حديثا عن السلام مع الفلسطينيين ولكنه يتطلع إلى إقامة سلام مع الإقليم، أى تطبيع مع العالم العربى. يتجاهل القضية الفلسطينية ويقفز فوقها.
وهى فكرة قد تبدو جيدة لكنها مجرد «كلام فارغ»، على حد تعبير افنيرى الذى أضاف أنه: لا يوجد زعيم عربى، من المغرب إلى العراق، يمكن أن يوقع اتفاقية سلام مع إسرائيل لا تتضمن انتهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية.
وحتى إذا أراد فإن أغلبية شعبه لن تسمح له بذلك. وذهب إلى أن سيناريو السلام الإقليمى كبديل عن السلام مع الفلسطينيين له معنى واحد هو أنه لن يكون هناك أى سلام. (لاحظ أن نتنياهو فى مؤتمر حزب الليكود صرح بأن الإيجابية الوحيدة لمبادرة السلام العربية تكمن فى استعداد الدول العربية لتطبيع علاقاتها مع إسرائىل).
وصف يورى افنيرى استخدام الأفكار المصرية كحجة لرفض المبادرة الفرنسية بأنه من قبيل «الوقاحة البحتة» لأنها تستند إلى القناعة الخبيثة التى توهم المرء بأنه يستطيع أن يخدع كل العالم طول الوقت. أشار فى هذا الصدد إلى أن نتنياهو يريد إجراء بضعة تعديلات على مبادرة السلام التى أشهرت فى عام ٢٠٠٢.
ونبه إلى أن المبادرة المذكورة تشترط انسحاب إسرائيل من جميع الأراضى المحتلة (بما فى ذلك الجولان والقدس الشرقية) والاعتراف بدولة فلسطين مع الإقرار بحق اللاجئين فى العودة، وعلق على ذلك قائلا إن نتنياهو سيختار أن يموت ألف مرة قبل أن يقبل أيا من هذه الشروط. وبناء على ذلك فإن «التحديث» الذى يريده رئيس الوزراء الإسرائيلى يراد به تفريغ المبادرة من مضمونها، بحيث لا يبقى منها سوى إقدام الدول العربية على التطبيع الكامل مع إسرائيل.
لا جديد فيما أعلنه نتنياهو أو فَضَحه يورى افنيرى، فالحديث عن الفخاخ المنصوبة فى ثنايا إحياء المبادرة العربية متواتر فى كتابات عربية عدة. وكنت أحد الذين وصفوا الملعوب بأنه مؤامرة هدفها التمكين لإسرائيل وفتح أبواب العالم العربى لتمددها واختراقاتها، وهو فى إحدى ذُرى ضعفه وتشتته. وفى هذه الحالة يتحقق الفوز الكاسح لإسرائيل ويكرس استسلام العالم العربى وانبطاحه، ويبقى للفلسطينيين أن يأكلوا الهواء.
رغم أن فضح اللعبة أو المؤامرة لا يضيف جديدا إلى ما نعرفه، فإن أهمية تصريحات نتنياهو وتحليلات يورى افنيرى أنها أكدت لنا ما نعرفه. وأيدت فكرة المؤامرة التى يشترك فى نسج خيوطها أطراف عدة أوروبية وإسرائيلية وعربية. وهو ما يتعذر الإقدام عليه دون علم الولايات المتحدة ومباركتها بطبيعة الحال.
لابد أن تدهشنا العودة إلى الحديث فى بعض المحافل العربية والدولية عن إحياء المبادرة الميتة.
وهو أمر يصعب افتراض البراءة فيه، لأن عناصر الخدعة فى المشهد لا تخطئها عين. والاعترافات التى أدلى بها نتنياهو أمام مؤتمر حزب الليكود لا تدع مجالا للالتباس ولا تحتمل أى اجتهاد أو تأويل.
لذلك فإن شكوكنا واتهاماتنا بالضلوع فى التآمر ينبغى ألا تكون مقصورة على الذين استخرجوا المبادرة من الملفات القديمة وجعلوها قناعا لتنفيذ مخططاتهم، لأن ذلك الشك والاتهام ينبغى أن يشمل أيضا الذين روجوا للفكرة ودافعوا عنها. إذ بعد اعترافات نتنياهو فإن هؤلاء جميعا ينبغى ألا تسمع شهاداتهم فى الموضوع.