توقيت القاهرة المحلي 08:21:04 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أسئلة مشهد لا لزوم له

  مصر اليوم -

أسئلة مشهد لا لزوم له

فهمي هويدي

حين دعا وزير الثقافة إلى ندوة لإثبات أن الجزيرتين ليستا مصريتين، فإنه ذكرنا بقصة الرجل الذى قرر أن يؤدى فريضة الحج فى حين أن الناس «راجعة» منه، كما يقول المثل الشهير. ذلك أن الوزير الهمام دعا إلى عقد الندوة بعدما أصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانها حول الموضوع. وأصدر مجلس الدولة حكمه بشأن إبطال الاتفاق الذى عقد بخصوصه. وطعنت الحكومة على القرار، ولايزال مصير الطعن معروضا. ذلك فضلا عن أن القضية قتلت بحثا فى وسائل الإعلام، وظلت غالبية الصحف القومية وغير القومية تتحدث بصوت عال عن عدم مصرية الجزيرتين. بعد الجدل الذى استمر طوال الأشهر الثلاثة الماضية، رعى وزير الثقافة الندوة التى نظمها مكتبه بتوجيه منه. خلال ثلاث ساعات استمر فيها اللقاء فإن المشاركين تصوروا أنهم اكتشفوا المفاجأة التى غابت عن كثيرين، وخلصوا إلى معلومة لم ينتبه إليها أحد وهى أن الجزيرتين غير مصريتين!

اللقاء بدا غريبا ومحيرا، حتى إنه أثار من الأسئلة بأكثر مما قدم من الأجوبة. غرابة اللقاء لا تكمن فقط فى كون «الاكتشاف» الذى توصل إليه كرر على مسامع الجميع وجهة النظر التى تبناها البعض طوال الأشهر الثلاثة الماضية. ثم إنه بدا مشوها ومنقوصا لأنه حشد أصواتا تمثل وجهة نظر واحدة. وكان الظن أن وزارة الثقافة حين ترعى عملا من ذلك القبيل يفترض فيها أن تدعو أصحاب وجهة النظر المقابلة لعرض أطروحاتهم، على الأقل لكى تتبنى موقفا ثقافيا محترما يطرح الآراء المختلفة على الرأى العام. صحيح أن الندوة كانت سرية بدرجة ما، حيث لم يحضرها أحد من الجمهور، ودعى إليها مندبو الصحف فقط، لتسويقها إعلاميا، لكن النشر الصحفى جاء فاضحا، لأن المتحدثين كانوا ممثلين لصوت الحكومة، وبدرجة ما لأجهزة الأمن. أما الذين تحدثوا فيها فقد كانوا بعض أساتذة القانون فى الجامعات، وأغلبهم من خريجى كلية الشرطة (!) ذلك لأن كلية الشرطة كانت تعطى خريجيها شهادة الليسانس فى الحقوق، لأنهم يدرسون منهج كلية حقوق جامعة عين شمس. وبهذا المؤهل فإنهم ينتشرون بعد تخرجهم فى مختلف المجالات (باعتبار أن الشرطة فى خدمة الشعب!)، خصوصا فى الجامعات والسلك القضائى والدبلوماسى.

من الأمور المحيرة فى ملف الندوة أن موضوع عقدها طرح قبل شهرين على لجنة القانون بالمجلس الأعلى للثقافة، وقال لى مقرر اللجنة الدكتور محمد نور فرحات إنه حين أصدر قضاء مجلس الدولة قراره فى الموضوع، الذى طعنت عليه الحكومة، فإن اللجنة أرجأت الفكرة على اعتبار أن الأمر لايزال معروضا على القضاء. وكان تقديرها أن عقدها فى ظل تلك الظروف يعد من قبيل التأثير على القضاء، وهو أمر مستهجن وغير مقبول. من ثم فإن لجنة القانون صرفت النظر عن الفكرة آنذاك. أضاف الدكتور فرحات أنه فوجئ بدعوة الوزارة إلى عقد الندوة، وحين استعلم عن مدى صحة الخبر، قيل له إن التعليمات صدرت بذلك من مكتب الوزير. حينئذ طلب الدكتور فرحات من مدير مكتب الوزير إبلاغه بأنه قرر الاستقالة من رئاسة لجنة القانون ومن عضوية المجلس الأعلى للثقافة.

من الناحية العلمية لم يكن هناك جديد فيما قيل، فضلا عن أن كل ما قيل عن خرائط ووثائق مردود عليه بخرائط ووثائق أخرى معارضة بقوة. لكن أسوأ ما قيل كان اتهام أصحاب الرأى الآخر بأنهم مغرضون يروجون للأكاذيب لحسابات شخصية. رغم أن جل اعتمادهم على رصيد معتبر من الخرائط التى أثبتتها المراجع العلمية والمراكز البحثية الكبرى فى الولايات المتحدة وإنجلترا وألمانيا. ناهيك عن أن نص المادة ١٥ من قانون البحار، الذى يتجاهله المؤيدون والمصفقون ــ صريح فى تأييد ما ذهب إليه مجلس الدولة. من هذه الزاوية فإن الندوة لم تضف شيئا إلى رصيد بحث الموضوع. وغاية ما يقال عنها أنها ربما أضافت شيئا إلى الرصيد الشخصى لوزير الثقافة.

إذا كانت حصيلة الندوة من الناحية الموضوعية صفرا. فبوسعنا أن نقول إنها كانت بمثابة فرقعة (شو) إعلامى، يستدعى عدة أسئلة فى مقدمتها ما يلى: لماذا دخل الوزير بشخصه على الخط ودعا إلى عقد الندوة التى قررت لجنة القانون تأجيلها؟ ولماذا حشد لها أصحاب الرأى المؤيد وتجاهل الرأى الآخر؟ ولحساب من تمت العملية التى لم تخدم حتى وجهة نظر الدولة المصرية؟ وهل من اختصاص ومسئولية وزارة الثقافة أن تطبع كتابا وثائقيا يؤيد وجهة نظر النظام فى مصر، فى حين أن تلك مهمة تدخل فى صلب اهتمام مصلحة الاستعلامات؟

فى الخبرة السعودية أن مندوبى هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر كانوا يسجلون أسماء المتخلفين عن صلاة الفجر فى المساجد، لمساءلتهم ولفت انتباههم. وأخشى أن يكون البعض عندنا قد اقتبس الفكرة لتطبيقها فى الساحة السياسية، بحيث تسجل أسماء المتخلفين عن أداء «واجب» التهليل فى كل مناسبة (لا تستغرب ففى كوريا الشمالية أعدم مسئول لأنه لم يصفق كما يجب أثناء خطبة ألقاها الرئيس) ــ وهى خلفية تدعونى إلى طرح السؤال الأخير التالى: هل فعلها وزير الثقافة لكى يسجل اسمه فى قائمة المبشرين بالحظوة ــ حتى لا يحسب عليه أنه لم يصفق فى المشهد بدوره كما يجب؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أسئلة مشهد لا لزوم له أسئلة مشهد لا لزوم له



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 08:35 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

دفاتر النكسة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon