توقيت القاهرة المحلي 07:37:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ما رأى الشعوب؟

  مصر اليوم -

ما رأى الشعوب

بقلم فهمي هويدي

من مفارقات الأقدار وسخرياتها أن تنتخب إسرائيل لرئاسة اللجنة القانونية بالأمم المتحدة رغم أنها صاحبة التاريخ الطويل فى ازدراء قرارات المنظمة الدولية وانتهاك القانون الدولى.

وذلك فضلا عن رفضها المستمر للانضمام إلى أى من معاهدات عدم انتشار الأسلحة النووية. وحين يتم ذلك فى ١٣ يونيو بعد أسبوع واحد من ذكرى الهزيمة (فى ٦ يونيو ١٩٦٧)، فتلك مفارقة لها دلالة رمزية أخرى، بحسبانها انتصارا إسرائيليا جديدا. أما أم المفارقات وأكثرها فجاجة فقد تمثلت فى اشتراك ٤ دول عربية فى التصويت لصالح إسرائيل، كما ذكرت صحيفة «هاآرتس». وقد عبر عن تلك الصدمة رسم كاريكاتورى تناقلته مواقع التواصل الاجتماعى ظهر فيه بعض العرب يحملون العلم الإسرائيلى مع آخرين من الصهيانة، فى حين وقف فتى عربى يتابع المشهد وقد أخفى عينيه بكفيه وهو منخرط فى البكاء والنحيب.

الحدث الذى بدا عبثيا وصادما يعبر عن واقع يعكس جانبا من المتغيرات العربية التى أصبحت أخبارها تقف فى الحلوق وترفع ضغط الدم، ليس عندى كلام كثير فى فوز إسرائيل لأول مرة فى تاريخها وتاريخ المنظمة الدولية برئاسة إحدى لجانها الأساسية الست، خصوصا اللجنة القانونية، إذ حين تصدت ١٠٩ دول لصالحها من بين ١٩٣ دولة فى الأمم المتحدة، فذلك بمثابة هزيمة حقيقية للدبلوماسية العربية. أما حين تصوت لصالحها أربع دول عربية فتلك فضيحة تصيبنا بالخزى وتخرسنا إذا ما انتقدنا الدول الأخرى التى فعلتها، وهى تعلم أن إسرائيل المنتهك الأكبر للقانون الدولى فى العالم.

ذلك إننا لن نستطيع أن نطالب الدول الأجنبية بأن تتضامن معنا وتتفهم قضايانا العادلة، فى حين أن بعض الدول العربية تخلت عن التضامن والتفهم الذى ندعوهم إليه.

لم تعرف أسماء الدول التى صوتت لصالح إسرائيل، لكن عددها فقط الذى تواترت الإشارة إليه فى بعض الصحف الإسرائيلية والعربية، ولم أفهم سر إخفاء تلك المعلومة لتجنب إحراج بعض الأنظمة، إلا أن الرأى العام العربى له حق فى معرفة الدول التى فعلتها، وإذا كانت وسائل الإعلام حرصت على كتمان الأمر وتسترت على الفضيحة فلا تفسير لذلك سوى أنها أصبحت بوقا للأنظمة يسهم فى خداع الرأى العام وتجهيله بدلا من تنويره، وإذ لا يفاجئنا ذلك حين يتعلق الأمر بالأوضاع الداخلية لبعض الأقطار العربية، إلا أن الأمر لابد له أن يختلف حين يتعلق بمصير الأمة وقضيتها المركزية التى سالت دماء آلاف الشهداء دفاعا عنها وذودا عن حياضها.

وإذ تركت المعلومة للتخمين والاستنتاج فإن القرائن المتوافرة والسوابق قد تساعدنا على فك بعض غموضها، من تلك القرائن مثلا ما يرجح أن مصر بين الدول الأربع، فمعلوم ومعلن أنها صوتت فى شهر أكتوبر من العام الماضى (٢٠١٥) لصالح انضمام إسرائيل لعضوية لجنة الاستخدامات السلمية للفضاء الخارجى، كما أنها صوتت فى شهر سبتمبر الذى سبقه لصالح اختيار إسرائيلى نائبا لرئيس اتحاد دول البحر الأبيض لكرة اليد، أما تحديد الدول الثلاث الأخرى فليس مقطوعا به، وتتداول الدوائر الدبلوماسية فى هذا الصدد أسماء إحدى الدول المغاربية ودولة أخرى خليجية وثالثة مشرقية.

لا أقطع بشىء مما ذكرت ولكنها مجرد ترجيحات مبنية على قرائن أقواها ما خص الموقف المصرى الذى تمتدحه الدوائر الإسرائيلية كثيرا فى الآونة الأخيرة. إذ فضلا عن تصريحات السياسيين ما برحت تشيد بعمق التعاون الاستراتيجى بين القاهرة وتل أبيب، فإن معهد بحوث الأمن القومى بجامعة تل أبيب أصدر دراسة لأحد باحثيه هو الدكتور أوفير فينتر حول التغير الذى طرأ على مناهج التعليم فى مصر للتعبير عن المتغير فى اتجاهات الريح السياسية، ضرب الباحث مثلا بكتاب مقرر على طلاب الثانوية العامة حول «جغرافية العالم العربى وتاريخ مصر الحديث»، وكيف أنه تحدث بلغة مختلفة تماما مما تضمنه الكتاب ذاته فى عام ٢٠٠٢، وحين اعتبر الباحث أن الكتاب إيجابى وباعث على التفاؤل والاطمئنان من جانب إسرائيل فلك أن تتصور مضمونه فى تناوله لمختلف عناوين الصراع ومفردات «القضية».

خلاصة الكلام أن تصويت الدول العربية الأربع لصالح إسرائيل فى الأمم المتحدة، يعد إعلانا عن التحول الخطير الحاصل فى علاقات الأنظمة العربية بإسرائيل، ومن الواضح أن الشق الغاطس فى تلك العلاقات أكبر بكثير مما ظهر منها، وهو ما يوحى بأننا بصدد خرائط جديدة يعاد رسمها للمنطقة، بحيث تتوافق إلى حد كبير مع الرغبة الإسرائيلية التى أعلن عنها نتنياهو وتحدثت عن التطبيع مع الإقليم مع تنحية الملف الفلسطينى جانبا. ذلك أن التطبيع يتحرك الآن بخطى حثيثة بعيدا عن الأعين وفى سرية بالغة، الأمر الذى يشكل واقعا جديدا لا ينتظر مفاوضات أو مبادرات، وذلك يستدعى السؤال التالى: إذ ما مضت بعض الأنظمة العربية فى ذلك المسار، فكيف يكون رد الشعوب فى هذه الحالة؟- ثمة سؤال آخر أتردد فى طرحه هو: هل يمكن أن نقول الآن إن الربيع الذى هبت رياحه على المنطقة صار إسرائيليا أكثر منه عربيا؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما رأى الشعوب ما رأى الشعوب



GMT 12:48 2016 الأحد ,11 كانون الأول / ديسمبر

بشرى للاعبين المحليين

GMT 14:24 2016 الجمعة ,09 كانون الأول / ديسمبر

هل الكتابة خدعة؟

GMT 14:23 2016 الأربعاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

أحرجتنا ماليزيا

GMT 11:38 2016 الثلاثاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

الإصلاح السياسى مقدم على الإصلاح الدينى

GMT 12:04 2016 الخميس ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

التغريبة الثالثة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon