توقيت القاهرة المحلي 08:21:04 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فصل فى الاستباحة

  مصر اليوم -

فصل فى الاستباحة

فهمي هويدي

إذا كان التواصل مع حزب الله يعد تخابرا، فبماذا نسمى التواصل مع الإسرائيليين الذى بات يتم الآن جهارا نهارا؟ خطر لى السؤال حين تناقلت وسائل الإعلام أن أحد المحامين قدم بلاغا إلى النائب العام المصرى اتهم فيه كلا من الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح والسيد حمدين صباحى بالتخابر مع حزب الله أثناء وجودهما فى بيروت أخيرا. وفى البلاغ أن حزب الله منظمة إرهابية (طبقا لقرار الجامعة العربية) الأمر الذى يضع من يتواصل معه تحت طائلة القانون، بحسبانه تخابرا مع منظمة إرهابية.

لا أعرف مصير البلاغ، وهل سيحفظه النائب العام أم سيأخذه على محمل الجد ويأمر بفتح التحقيق فيه. لكنى أعرف أنه ليس الأول من نوعه، ولكن ثمة «سوابق» تطوع فيها نفر من المواطنين الذين أصبحوا يصنفون ضمن الشرفاء ــ تشجيعا لهم ــ باتهام الدكتور أبوالفتوح أو غيره من النشطاء إما بدعم الإرهاب أو بالتخابر مع جهات أجنبية متهمة. وليس معروفا على وجه الدقة ما إذا كانت مثل تلك البلاغات تقدم بوحى وتوجيه من جهات أخرى فى الدولة، اما أنه تطوع من جانب أولئك «الشرفاء» (أكثرهم من المحامين) له دوافع معينة، فى المقدمة منها الذيوع والشهرة. إذ المعروف أن بعض وسائل الإعلام تحتفى بمثل تلك الأخبار لأسباب مفهومة. فضلا عن أن من شأن ذلك تعرف الآخرين على المحامى «الشريف» مقدم الطلب وتكون تلك بداية الترويج للمكتب وصاحبه.

ليس عندى دفاع عن حزب الله، الذى يحسب له شجاعته فى تحدى إسرائيل وإفشال مخططها فى لبنان. ويحسب عليه بذات القدر اصطفافه إلى جانب الرئيس بشار الأسد فى مقاومة ثورة الشعب السورى ومن ثم الاشتراك فى قتل السوريين. وهو ما بدد رصيد الحزب وأساء إليه إساءة بالغة. لكن لدى كلمتين فى الموضوع إحداهما تتعلق بالواقعة والثانية بصداها.

خلاصة الأولى أن الدكتور أبوالفتوح وصاحبه ومعهما السيد الصادق المهدى رئيس الوزراء السودانى الأسبق. دعوا إللمشاركة فى المؤتمر السنوى الذى عقد فى بيروت بالتنسيق بين المؤتمر القومى العربى والمؤتمر القومى الإسلامى. وهو بالمناسبة المؤتمر السابع الذى جرى تنظيمه لمساندة المقاومة والحفاوة بها. إذ سبق له أن عقد دورة لتحية المقاومة اللبنانية وأخرى للمقاومة العراقية وثالثة للمقاومة الفلسطينية، وهكذا. وفى حفل الافتتاح جلس الضيوف الثلاثة على المنصة وإلى جوارهم الأمينان العامان للمؤتمرين السابق ذكرهما. وألقى كل واحد من الضيوف كلمته ثم انصرف إلى حال سبيله. فمنهم من شارك فى بقية الجلسات ومنهم من قضى يومين أو ثلاثة فى بيروت. ومنهم من عاد إلى بلده وكان الدكتور أبوالفتوح من الأخيرين.

لم أجد غضاضة فى أن يجتمع حمدين صباحى مع ممثلين لحزب الله. الذى له شرعيته فى لبنان وله مشاركته فى مجلس النواب والحكومة. ولا أظن أن ذلك يمكن أن يثير حفيظة أحد باستثناء جهتين هما «الأمنجية» الذين يعتبرون أن الأصل فى كل من لا ترضى عنه السلطة أن يظل متهما حتى يثبت العكس. ولا أظن أن حمدين صباحى من هؤلاء، بقدر ما أننى لا أشك فى أنه ينطبق على الدكتور أبوالفتوح. الطرف الآخر هم المتصيدون الذين يتحينون كل فرصة لتجريح المعارضين. سواء لإثبات انخراطهم ضمن زمن زمرة «شرفاء» آخر الزمان. أو للدعاية لأنفسهم ونشر أخبارهم فى وسائل الإعلام المختلفة.

الكلمة الثانية التى تتصل بأصداء الواقعة (سواء حدثت أم لا) فى أوساط أمثال أولئك «الشرفاء» الذين هم ركاب كل موجة وطليعة كل زفة. وللعلم فقط فإنهم يتوزعون على مهن عدة. ووفرتهم مشهودة فى المحيط الإعلامى، حيث تخصص نفر منهم فى تقديم البلاغات ضد زملائهم، ولا ينبئك فى ذلك مثل خبير.

المسألة ليست فى بلاغات كيدية يقدمها هؤلاء، وإنما الذى لا يقل خطورة عن ذلك أن التهم التى يرددونها بجرأة مشهودة ابتذلت مصطلحات مثل التخابر والخيانة والعمالة وإسقاط النظام والإساءة إلى الجيش والشرطة.. إلى غير ذلك من صياغات التكفير السياسى والاغتيال المعنوى والإبادة الثقافية.

هذه التهم شاعت فى وسائل الإعلام وابتذلت بحيث لم تعد تؤخذ على محمل الجد رغم أنها مما يمكن أن يعد تشهيرا يعاقب عليه القانون. ولكن أجواء استباحة الآخر أصبحت تتسامح مع تلك المقولات على جسامتها. وفى إحدى المرات النادرة فإن الدكتور عبدالمنعم أبوالفنوح رفع قضية ضد إحدى الصحف القومية الكبرى لنشرها مقالة حفلت بالافتراءات المماثلة التى كان من بينها اتهامه بـ«الإرهاب» وحين نظرت القضية فإن القاضى لم يجد مفرا من إدانة موقف الجريدة وتغريمها، ٢٠ ألف جنيه تعويضا للدكتور أبوالفتوح الذى استهدفه التشهير.

ما أصاب رئيس حزب «مصر القوية» يظل قطرة فى بحر الاستباحة الكبير، الذى مارست فيه وسائل الإعلام مختلف صور التنكيل والاغتيال الذى استهدف المسجونين ممن ليس بمقدورهم الدفاع عن أنفسهم، خصوصا أنهم يتعرضون لتنكيل أكبر داخل السجون. أشهر هؤلاء الدكتور محمد مرسى ــ الرئيس الأسبق ــ الذى برأته محكمة جنايات القاهرة من تهمة «التخابر» مع قطر فى ١٨ يونيو الماضى. ومع ذلك فإن كتابات «الشرفاء» مصرّة على وصفه بالرئيس الخائن.

نخطئ إذا فصلنا أطروحات استباحة الآخر فى البلاغات الكيدية والكتابات الصحفية عن مجمل الريح السياسية التى تكرس استباحة الآخر بمفهومها الواسع، الذى نجد نموذجا له لحالته القصوى فى سجنى العزولى والعقرب، وفى غير ذلك مما نعرف أو لا نعرف من سجون ومعتقلات. وتلك خلفية تسوغ لنا أن نقول إن اتهام اثنين من السياسيين بالتخابر هو عرض متواضع لمرض جسيم بلغ حالته المتأخرة. لذلك لا ينبغى أن يصرفنا العرض عن كارثة المرض.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فصل فى الاستباحة فصل فى الاستباحة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 08:35 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

دفاتر النكسة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon