توقيت القاهرة المحلي 14:41:59 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الإعذار لا يبرر الارتجال

  مصر اليوم -

الإعذار لا يبرر الارتجال

فهمي هويدي

خبر الصباح لم يكن مبهجا بأى حال، جاء محبطا على الصعيدين الشخصى والعام. فثمة زيادات فى الضرائب على المبيعات والهاتف المحمول والبن والمياه الغازية وسيارات الركوب و...و...إلخ. ومن خبرتنا فإن الزيادة فى أسعار بعض السلع تجر وراءها سلعا أخرى. من ثم فإن خلاصة الرسالة أن الحكومة قررت أن تفك أزمتها عن طريق وضع أيديها فى جيوب كل واحد منا، والأخذ منها. وهو ما يشكل سببا إضافيا للاستياء والغيظ. إن مبلغ علمى أن الأخذ من الناس هو أسهل الحلول، فضلا عن أنه أحد الحلول التى يتبناها صندوق النقد الدولى انطلاقا من سياسة توسيع نطاق دافعى الضرائب التى يدعو إليها. وهى سياسة يبدو عنوانها جذابا، إلا أنها تظلم الفقراء كثيرا، بل تظلم محدودى الدخل وشريحة الطبقة المتوسطة، لأنها تضعهم على قدم المساواة مع الأثرياء الذين لا تتأثر دخولهم كثيرا فى هذه الحالة. ما أفهمه أنه فى مواجهة أى أزمة اقتصادية تتراوح الخيارات المطروحة للحل بين إعلان التقشف وشد الأحزمة على البطون وبين استنفار الأمة لمضاعفة العمل وزيادة الإنتاج، أو إعادة هيكلة النظام القائم للتخلص من أوجه الإنفاق غير الضرورية والحصول على أفضل عائد ممكن من المشروعات والمؤسسات الإنتاجية القائمة. وهناك خياران آخران أحدهما غير مستحب ويتمثل فى زيادة أسعار السلع وآخر مكروه (البعض يعتبره محرما) يتمثل فى الاقتراض من الخارج، خصوصا من جانب صندوق النقد الدولى الذى لا يهب القروض للدول المأزومة، ولكنه يقدمها بشروط معينة لا مفر منها. بصرف النظر عما إذا كانت تلك الشروط معلنة أم غير معلنة. (للعلم: لم يقل لنا أحد فى مصر ما إذا كانت الإجراءات الاقتصادية التى تقدم عليها الحكومة لها علاقة بطلبات صندوق النقد أم لا. لكننا قرأنا فى الصحف أن القرض بلا شروط، فى حين تقسم مصادر الصندوق بالثلاثة مؤكدة أن تلك الإجراءات تعد استجابة «لمقترحات» الصندوق. وقال لى أحد الخبثاء إنها مقترحات حقا، لكنها «ملزمة» فى نهاية المطاف). سمعت رأيين فى شأن الزيادات المقترحة على الأسعار التى أصابتنى بالإحباط فى ذلك الصباح. الأول ينحاز إلى الأعذار ويدعو إلى التفرقة بين إنقاذ الموقف الاقتصادى وتحقيق الإصلاح الاقتصادى. وفى رأى أصحابه أن الإنقاذ يتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة فى حين أن الإصلاح الاقتصادى يتطلب وقتا طويلا، ناهيك عن أن دراسته تحتاج إلى 18 شهرا على الأقل. يقولون فى هذا الصدد إنه إذا صادفك حريق يوما ما، فأول ما ينبغى أن تفعله هو أن تقوم بإطفائه، حتى إذا ترتبت على ذلك خسائر جانبية أخرى. وليس من العقل أو الحكمة أن نبدأ بدراسة الأسباب التى أدت إلى الحريق وتتخذ الاحتياطات الواجبة لعدم تكرار اندلاعه، الأمر الذى إذا أعطيناه الأولوية فسوف يلتهم الحريق كل شىء قبل أن نتمكن من إنجازه ما يجب عمله. هذا التحليل يتبنى شعار لنطفئ الحريق بمنتهى السرعة أولا ثم نتكلم فيما يجب عمله بعد ذلك. وهو منطق يفرق بين العاجل والضرورى، ويعتبر أن العاجل هو إطفاء الحريق بمعنى توفير السيولة المطلوبة بشكل ملح فى الوقت الراهن، والضرورى هو أن يتحقق الإصلاح الاقتصادى بما يكفل علاج جذور الأزمة وتحقيق العدالة الاجتماعية المرجوة. أصحاب الرأى المقابل يقولون إنه ليس من الحكمة أيضا أن نطفئ حريقا لكى تشعل حريقا آخر، وهم يعتبرون أن ما يجرى الآن لا يحقق بالضرورة هدف الإطفاء، لكنه يهيئ المناخ لإطلاق حرائق أخرى، لأن القرارات غير الصائبة التى لم تدرس جيدا قد لا تحقق الهدف المرجو، فى حين أنها تفتح الباب لتعميق الخلل فى النسيج الاجتماعى، الأمر الذى يؤدى إلى إشاعة الاحتقان فى أوساط الفقراء وشرائح الطبقة المتوسطة. من هولاء من يقول إن العجلة لا تبرر اتخاذ القرارات الخطأ، خصوصا إذا كان الرأى العام ليس مدركا لحقيقة وأبعاد الأزمة الاقتصادية الراهنة. وكثيرون لا يعرفون مثلا أن الدين المحلى الذى تجاوز تريليون جنيه يجعل كل إنسان فى مصر بما فى ذلك الأطفال مدينا بمبلغ 14 ألف جنيه لا غير. علما بأن ذلك الدين يمثل 70٪ من قيمة الناتج المحلى، وهذه نسبة عالية وخطرة. سألنى أحدهم مستنكرا: كيف يفسر أن يصدر قرار بفرض ضريبة على البورصة دون أن يسمع رأى المسئول الأول عن البورصة؟ ويفاجأ الرجل بالخبر منشورا فى صحف الصباح، وألا يعنى ذلك أن القرار لم يأخذ حقه من الدراسة، الأمر الذى يضعف من نتائجه ولا يحقق الهدف المرجو منه. وهذا القصور فى الدراسة ينطبق على قرارات أخرى منها ما تعلق بالضرائب التصاعدية التى استفاد منها أصحاب الملايين أو بقرار الإغلاق المبكر للمحال التجارية الذى لم تستطع الحكومة تنفيذه، أو حتى بقرار التعجل فى الاقتراض من صندوق النقد الدولى. وضعنى الرأيان فى حيرة لأننى وجدت حجج كل منها مقنعة. فالإعذار مطلوب وهو مهم للغاية، لكن الارتجال وعدم وضوح الرؤية يسحب من رصيد الإعذار، ويكرس الإحباط ولا يبدده. لا تسألنى ما العمل، لأن فى البلد عقولا عليها ان تبحث لنا عن «خروج آمن» من الأزمة، لا خير فيها إن هى سكتت، ولا خير فينا إذا لم ننصت إليها. نقلاً عن جريدة "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإعذار لا يبرر الارتجال الإعذار لا يبرر الارتجال



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon