توقيت القاهرة المحلي 18:25:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فن صناعة الفرعون

  مصر اليوم -

فن صناعة الفرعون

فهمي هويدي

أثناء صلاة العيد جلس الرئيس محمدمرسى محاطا بكبار المسئولين فى الدولة. نائب الرئيس ورئيس الوزراء وشيخ الأزهر ووزيرا الدفاع والداخلية وغيرهم. إلا أن الرئيس وحده وضعت أمامه سجادة صغيرة. فوق سجادة المسجد الكبير. التى كانت قد غسلت ونظفت سواء بمناسبة العيد أو بمناسبة صلاة الرئيس فى المسجد. لم أتابع بث صلاة العيد عبر التليفزيون، لكن أكثر من واحد نبهنى إلى حكاية سجادة الرئيس بعد صلاة الجمعة، ورأيتها واضحة بعد ذلك فى الصور التى نشرتها الصحف فى اليوم التالى «أمس السبت 22/10». أحد الأسئلة التى أثارها عندى المشهد كالتالى: لماذا خصُّوا الرئيس بسجادة له وحده، ولم يفعلوها مع غيره من كبار المسئولين المحيطين به؟ الرد المباشر الذى خطر لى أن ذلك حدث لأن هناك من رأى أن الرئيس ينبغى أن يختلف عن غيره، حتى فى الوقوف أمام الله. قد تبدو الملاحظة بسيطة، ولست أشك فى أن الرئيس لا علاقة له بما حدث، ولكنى وجدت لها دلالة جديرة بالتسجيل. شجعنى على ذلك أننى سمعت كلاما يلوكه البعض عن الاستعدادات الخاصة التى ترتب لاستقبال الرئيس، حتى فى صلوات الجمعة التى يحرص على أدائها بين الناس. حدثنى نفر من هؤلاء عما حدث حين أدى صلاة الجمعة فى مرسى مطروح، فتم تغيير السجاد فى المسجد الذى أعيد طلاؤه، وكانت الرسالة واضحة فى أن ذلك كله لم يحدث لأجل الناس، وإنما كان تعبيرا عن الحفاوة بالرئيس، ولست أشك فى أن ذلك يحدث للرئيس حيثما حل. وإذا صح ذلك فهو يعنى أن الرئيس كلما ذهب إلى مكان فإنه لا يراه على حقيقته، وإنما يتم تحسينه وتجميله لكى تطمس فيه الحقيقة، وإذا ضممت ذلك الانطباع إلى معلومة السجادة التى وضعت للرئيس دون غيره أثناء صلاة العيد، فقد توافقنى فى أن البيروقراطية المصرية لا تكف عن توجيه الرسائل إليه، التى توحى له بأنه يجب أن يتميز عن غيره من كبار المسئولين، فى الوقت الذى تسعى فيه أصابع البيروقراطية لتزوير الواقع الذى تقع عليه عيناه، بحيث لا يتمكن من أن يرانا على حقيقتنا. ما دعانى إلى إبداء أمثال تلك الملاحظات الصغيرة أن مسئولا مخضرما عاش فى المطبخ الرئاسى ردحا من الزمن قال لى ذات مرة إن البيروقراطية المصرية تملك قدرا كبيرا من الحكمة والدهاء والصبر. ذلك أنه ما من مسئول كبير يتولى موقعه ويريد أن يتصرف على سجيته، إلا ونسجت حوله الأجهزة البيروقراطية خيوطها فى هدوء شديد حتى تضعه فى القالب الذى تريده هى وليس ما يريده هو. بحيث يتحول صاحبنا بمضى الوقت إلى شخص آخر غير الذى تسلم المنصب. سيظل بنفس الاسم والشكل بطبيعة الحال، لكنه سيختلف فى السلوك والأداء وربما فى ثيابه التى يرتديها، بل وفى مشيته وكيفية تواصله مع الآخرين. يكفى أن تشعره الأجهزة بأنه ليس كائنا عاديا، لكنه شخص مختلف عن غيره، ولأنه مهم فلابد أن يكون مستهدفا، الأمر الذى لا يتم التعامل معه إلا بتكثيف الإجراءات والاحتياطات الأمنية. وحينذاك تتوالى سلسلة من الإجراءات التى لا يستطيع أحد مناقشتها أو ردها. إذ من أجل الحفاظ على حياة الرئيس أو المسئول الكبير لابد من احتياطات معينة تتعلق بمسكنه وموكبه واستقبالاته وخطوط الاتصال به.. الخ. صحيح أنه عادة ما يتمنع فى البداية، ولكن أساليب الدهاء والنفس الطويل التى تجيدها الأجهزة البيروقراطية تجعله يستسلم فى نهاية المطاف، بحيث تصنع من الإنسان الذى قدم إلى المنصب، فرعونا لا يشق له غبار. إن ترزية القوانين يمثلون وحدة أخرى فى مؤسسة تصنيع الفراعين، وهى وثيقة الصلة بالمؤسسة الأمنية. لأنها تتولى تغطية ممارساتها وتقنينها لتأمين الفرعون وتبييض صورته. وتقاس براعة هؤلاء جميعا بمقدار إتقانهم للدور بحيث يتم تصنيع الفرعون دون أن يشعر بالتحول الذى يفرض عليه وينسج من حوله. فى هذا الصدد قال لى أحد العارفين  بأساليب الأجهزة البيروقراطية إن الرئيس مرسى فاجأ المحيطين به حين ظهر فوق إحدى المنصات فى ميدان التحرير يوم حلفه لليمين وفتح سترته أمام الملأ قائلا إنه لا يرتدى السترة الواقية من الرصاص. أضاف صاحبنا إن الرئيس فعلها لأنه كان جديدا على المنصب، لكنه لن يكررها بعد عام، وسيكون ذلك قراره الذى لن يفرضه عليه أحد. إذ سيكون عندئذ أكثر حذرا خصوصا أنه بدأ يستمع إلى الرسائل الأمنية التى تسرب إليه. لقد أكد لى أحد المقربين من الرئيس ما سبق أن ذكرته من أنه لا علاقة له بكل ما يرتب له ويثير اللغط فى بعض الأوساط، ثم سألنى: ما الذى يفعله الرجل فى هذه الحالة؟ قلت: بوسعه أن يعلن على الملأ رفضه للترتيبات الاستثنائية التى تعد له، وأن يبلغ المسئولين فى كل جهة يقصدها بأنه يريد أن يرى الواقع كما هو دون تزويق أو تزوير. أضفت بعد ذلك أن الرئيس لو طوى السجادة التى خصصت له فى صلاة العيد ونحاها جانبا لأوصل تلك الرسالة إلى الذين فعلوها، ولأسكت اللغط الذى أثارته اللقطة. نقلاً عن جريدة "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فن صناعة الفرعون فن صناعة الفرعون



GMT 15:43 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أين الشرع (فاروق)؟

GMT 15:42 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

لِنكَثّف إنارة شجرة الميلاد

GMT 15:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

نيولوك الإخوان وبوتوكس الجماعة

GMT 15:40 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

سوريّا المسالمة ولبنان المحارب!

GMT 15:39 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

عيد بيت لحم غير سعيد

GMT 15:37 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

راغب علامة... والخوف الاصطناعي

GMT 15:36 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

اعترافات ومراجعات (87).. ذكريات إيرلندية

GMT 15:34 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

بيت لحم ــ غزة... «كريسماس» البهجة المفقودة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 09:47 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

وفد أميركي يزور دمشق للقاء السلطات السورية الجديدة

GMT 09:42 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الرئيس بزشكيان يختم زيارته للقاهرة ويعود إلى طهران

GMT 10:00 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني

GMT 11:30 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أفضل الأماكن لتجنب الإصابة بالإنفلونزا على متن الطائرة

GMT 18:59 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أسهل طريقة لتنظيف المطبخ من الدهون بمنتجات طبيعية

GMT 22:16 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

مواجهة أسوان لا تقبل القسمة على أثنين

GMT 18:47 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon