توقيت القاهرة المحلي 18:25:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من مهالك الاستقطاب

  مصر اليوم -

من مهالك الاستقطاب

فهمي هويدي

حين قصَّت المعلمة المنتقبة بعضا من شعر تلميذتين فى إحدى مدارس الأقصر قامت الدنيا ولم تقعد، وصارت صورة الضفيرة بعد القص تظهر فى الصحف المصرية يوما بعد يوم، أما سيل الأخبار والتعليقات التى تابعت الموضوع واستهجنته فلم يتوقف طوال الأيام العشرة الماضية.. وقد توالت تلك الأصداء بعد معاقبة المعلمة بالخصم من راتبها والنقل من وظيفتها، إلى جانب الفضيحة التى لاحقتها من كل صوب. إلا أن الأقصر شهدت بعد ذلك حادثا أكثر جسامة لم يكترث به الإعلام ولا حرك شيئا من غيرة كتيبة المثقفين مفتوحة الأعين باتجاه واحد. ذلك أن أحد الناشطين الشبان (تقادم الخطيب) المعيد بكلية آداب المنصورة، كان ذاهبا لقضاء العيد مع أسرته فى الأقصر، فاستوقف كمين للشرطة السيارة التى استقلها مع آخرين. وحين احتج على المعاملة غير الإنسانية التى تعرض الجميع لها، فإن ضابط الشرطة استكثر احتجاجه وخصه بوجبة ضرب شديدة الوطأة. وتولى هو وزميل له تهديده وإهانته وتلفيق تهمة حيازة المخدرات إليه. ثم نقل إلى قسم الشرطة ليتكرر معه مشهد الاعتداء البدنى واللفظى الفاحش. وحين قال للضابط إن ثورة حدثت فى البلد من أجل كرامة الناس، فقد كان الرد إن الثورة وقعت على شاشات التليفزيون، ولم يكتف الضابط بإهانته، وإنما خص أمه بسباب استخدم فيه عبارة بذيئة. وهذه معلومات نقلها تقادم إلى بعض زملائه فى الجبهة الوطنية للتغيير وأوردها زميلنا الأستاذ وائل قنديل فى «الشروق» يوم الجمعة الماضى 26/10. ليس لدىَّ تحفظ على معاقبة المعلمة التى قصت شعر التلميذتين، كما ذكرت من قبل، لكن السؤال الذى ينبغى أن نفكر فى الإجابة عليه هو: لماذا حظيت واقعة قص الشعر بالاهتمام الإعلامى المبالغ فيه، فى حين لم يكترث الغيورون بواقعة إهانة ركاب الحافلة واعتداء ضابطى الشرطة بالضرب والسب على الأخ تقادم الخطيب؟ وللعلم فإن الجريمة الثانية أفدح من الأولى. ذلك أن تصرف المعلمة المنتقبة يحسب عليها وحدها. وقد تصورت بأنها بما فعلته تريد خيرا للتلميذتين (أغلب الظن أنها كرهتهما فى الحجاب)، أما تصرف ضابطى الشرطة فهو يدين الجهاز بأكمله، فضلا عن أنهما تعمدا إهانة صاحبنا وإذلاله وتلفيق تهمة له. الأمر الذى يعنى أن تصرف المعلمة جريمة فرد وقعت بطريق الخطأ. أما تصرف الضابطين فهو جريمة متعمدة مع سبق الإصرار تعبر عن سلوك شائع فى المؤسسة الأمنية. لقد عوقبت المدرسة بما تستحق، أما ضابطا الشرطة فلم يحاسبا على ما أقدما عليه، فيما نعلم. وكل الذى حدث أن مدير الأمن حاول إقامة صلح بينهما وبين المجنى عليه، الذى أحسن حين رفض الصلح وأصر على أن يدلى بأقواله أمام النيابة بخصوص الموضوع. المقارنة بين الحالتين تستدعى ملاحظتين هما: * إن استنفار الإعلاميين والمثقفين للتنديد بسلوك المعلمة وتجاهلهم لما أقدم عليه ضابطا الشرطة لا تفسير له سوى أن شريحة الإعلاميين والمعلقين أصبحوا يقدمون الصراع الأيديولوجى على كل ما عداه، بما فى ذلك محاولات إهدار قيم النظام الجديد الذى ننشده. كما لو أن أقدم معلمة منتقبة على قص شعر تلميذتين رفضتا ارتداء الحجاب جريمة لا تغتفر، أما إهدار كرامة المواطنين على يد ضباط الشرطة فأمر لا يستحق النظر. بكلام آخر فإن تصفية الحسابات مع كل من ينتسب إلى الإسلام، بإدانته وفضحه، مقدمة عندهم على حق المواطنين فى الكرامة والاعتبار. الأمر الذى يعنى أن تسجيل النقاط واحتساب الأهداف على الخصم الأيديولوجى، يرجح على حماية القيم الإيجابية التى يراد إرساؤها فى ظل النظام الجديد. وهو ما عبرت عنه فى وقت سابق حين قلت إن كراهيتهم للجماعة صارت مقدمة على محبتهم للوطن. إن علاقة الشرطة بالمجتمع تحتاج إلى إعادة صياغة، بحيث يشكل احترام كرامة المواطن ركنا أساسيا فيها. أدرى أن سياسة قهر المواطن وازدرائه التى استمرت عدة عقود لن تتغير بين يوم وليلة، وتحتاج إلى وقت طويل للعدول عنها. كما لا يشك أحد فى أن احترام الشرطة واستعادتها لهيبتها أمر لا غنى عنه، لكن الشرطة يجب أن تدرك أن احترام المواطن أمر لا غنى عنه أيضا، وأن الثورة قامت بالدرجة الأولى لاستعادة كرامة الوطن والمواطن. وإذ أقر بأن تصحيح تلك العلاقة يتطلب بعض الوقت، إلا أن بدء خطوات التصحيح أمر لا يحتمل التأجيل. فى هذا الصدد فهناك خطوتان ضرورويتان يتعين اتخاذهما على الفور. الأولى محاسبة الضابطين اللذين أهانا ركاب الحافلة واعتديا بالضرب والسب على الأخ تقادم. وحبذا لو وقعت عليهما عقوبة مماثلة لتلك التى أنزلت على معلمة الأقصر ليكونا عبرة لغيرهما. إلى جانب محاسبة الضابطين، فيتعين على وزير الداخلية أن يصدر تعليمات واضحة وحازمة بمنع التعذيب واحترام حقوق المواطنين وكراماتهم، أفهم أن ذلك كلام مسجل فيما يدرس لطلاب كلية الشرطة، وفى خطب الوزير ومساعديه، لكن ذلك الكلام لم يوقف الاعتداء على حقوق المواطنين فى الأقسام والسجون، لأنه لم يؤخذ على محمل الجد، فضلا عن أن القيادات الأمنية هى التى كانت تأمر بالتعذيب والاستنطاق بكل السبل. إن استمرار الاستقطاب فى مصر، يدفعنا بقوة لأن نمضى بعيدا على طريق الندامة نقلاً عن جريدة "الشروق".

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من مهالك الاستقطاب من مهالك الاستقطاب



GMT 15:43 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أين الشرع (فاروق)؟

GMT 15:42 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

لِنكَثّف إنارة شجرة الميلاد

GMT 15:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

نيولوك الإخوان وبوتوكس الجماعة

GMT 15:40 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

سوريّا المسالمة ولبنان المحارب!

GMT 15:39 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

عيد بيت لحم غير سعيد

GMT 15:37 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

راغب علامة... والخوف الاصطناعي

GMT 15:36 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

اعترافات ومراجعات (87).. ذكريات إيرلندية

GMT 15:34 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

بيت لحم ــ غزة... «كريسماس» البهجة المفقودة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 09:47 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

وفد أميركي يزور دمشق للقاء السلطات السورية الجديدة

GMT 09:42 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الرئيس بزشكيان يختم زيارته للقاهرة ويعود إلى طهران

GMT 10:00 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني

GMT 11:30 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أفضل الأماكن لتجنب الإصابة بالإنفلونزا على متن الطائرة

GMT 18:59 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أسهل طريقة لتنظيف المطبخ من الدهون بمنتجات طبيعية

GMT 22:16 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

مواجهة أسوان لا تقبل القسمة على أثنين

GMT 18:47 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon