توقيت القاهرة المحلي 14:27:16 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عن طبعنا الوطنى

  مصر اليوم -

عن طبعنا الوطنى

فهمي هويدي

  فوجئ كثيرون بالمعلومات التى تسربت عن هبوط مستوى الحوار بين ممثلى القوى السياسية أثناء التقاء الرئيس محمد مرسى بهم فى مسعاه لإطلاق حملة الحوار الوطنى حول القضايا العالقة، وفى مقدمتها مشروع الدستور الجديد. من جانبى اعتبرت أن الجديد فى الأمر هو أن ذلك الحوار تم فى القصر الجمهورى وأمام الدكتور مرسى، الذى قيل له إنه فوجئ بالتراشق الحاصل بين بعض الحاضرين، الأمر الذى اضطره إلى تذكيرهم بأنهم فى حضرة رئيس الجمهورية. فيما عدا ذلك فإن ما سمعه الرئيس كان امتدادا لما تحفل به وسائل الإعلام من اشتباك، لم يخل من وصلات «ردح» تستخدم مصطلحات وعبارات مما يعاقب عليه القانون، وفى الكثير مما تبثه تلك الوسائل المرئية والمقروءة فإن ما تقدمه يتعذر وصفه بأنه حوار، لأنه مسكون بالتحامل والكيد والاصطياد. لست فى وارد الاحتجاج على ذلك السلوك الذى يصدر عمن يعتبرون قوى سياسية ونخبا وناشطين وغير ذلك من الأوصاف المماثلة، لأن الأمر همَّنى من زاوية مختلفة يختزلها السؤال التالى: هل هؤلاء يمثلون الطبع الوطنى فى مصر؟.. والسؤال بهذه الصيغة له قصة لا مفر من أن أرويها. ذلك أننى كنت قد قرأت عرضا استوقفنى لكتاب شهير لعالم السياسية الأمريكى مورجان ثاو عنوانه «السياسة بين الأمم». ولفت نظرى فيه قوله ان الرؤية الاستراتيجية لأى بلد تتحدد فى ضوء الربط الذى يقوم بين المصلحة الوطنية من جهة والقدرات الوطنية من جهة أخرى. وإذا كانت المصلحة الوطنية مفهومة، إلا أن القدرات الوطنية فيها المتغير والثابت. المتغير يتمثل فى الأوضاع الاقتصادية والصناعية وجودة الأداء السياسى وحجم المساندة الشعبية للنظام القائم...الخ. أما ما هو ثابت فى القدرات الوطنية فيتمثل فى أمرين، أولهما الجغرافيا حيث لا سبيل إلى تغيير الموقع الجغرافى إلا فى ظروف. أما ثانيهما فهو ما أسماه بالطبع الوطنى. ويقصد به السِّمة العامة لمجتمع. كأن يقال عن الفرنسيين مثلا إنهم مشهورون بالعقلية الديكارتية. وعن الإنجليز إنهم يتسمون ببرودة دمهم، وعن الروس خوفهم من السلطة ومن الأجنبى، وعن الأمريكيين إنهم منفتحون وسريعو التكيف مع الآخرين. منذ ذلك الحين شغلنى السؤال التالى: ماذا يمكن أن نقول عن الطبع الوطنى للمصريين؟.. ظللت أبحث عن إجابة السؤال كلما وقعت على كتاب يتحدث عن الشخصية المصرية. كان فى ذهنى ما كتبه الإنجليزى إدوارد لين عن عادات المصريين المحدثين وشمائلهم. وما كتبه الدكتور جمال حمدان والدكتورة نعمات فؤاد عن شخصية مصر. والدكتور سيد عويس عن هتاف الصامتين والخلود. والدكتور جلال أمين فى كتابه «ماذا حدث للمصريين». ووجدت كتابات أخرى فى الموضوع للدكاترة على ليلة وأحمد زايد وسعيد فرج ومحمود عودة. كما وجدت أن المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية قد نظم ندوة عالجت الشخصية المصرية من مختلف الزوايا. وكان أهم ما خرجت به ثلاثة أمور أولها أن ثمة شُحَّا فى الدراسات الاكاديمية الحديثة التى تناولت الموضوع، وان بعض الباحثين اكتفوا بالوصف دون التحليل والتأصيل، أما البعض الآخر فقد عنى بإبراز الايجابيات دون السلبيات. الأمر الثانى ان الأمر شديد التعقيد على نحو يصعب فى ظله الخروج بخلاصة واضحة تحدد معالم الطبع الوطنى. ولا يكفى فى ذلك أن يوصف الطبع المصرى بأنه ودود ومرن ويتسم بخفة الظل والفهلوة. الأمر الثالث والمهم أن ذلك الطبع يمكن أن يتغير من مرحلة إلى أخرى. ففى أطوار المد والعافية يعبر الناس عن أفضل ما فيهم. أما سنوات الجزر والانكسار فهى تستخلص من الناس أنفسهم أسوأ ما فيهم. يؤيد ذلك صاحب كتاب طبائع الاستبداد لعبدالرحمن الكواكبى، الذى ربط بين الاستبداد بفساد الأخلاق وزيادة معدلات الجنوح فى مختلف المجالات. هذا الكلام إذا قمنا بتنزيله على الواقع، سنجد أن الثلاثين أو الأربعين سنة الأخيرة فى مصر، التى اقترن فيها الاستبداد بالفساد، أحدثت انقلابا هائلا أدى إلى تشويه طبائع أجيال المصريين، وانقلابا مماثلا فى منظومة القيم السائدة. فقد انتشرت السلبية والانتهازية والأنانية بين المثقفين السياسيين. وتراجعت قيم الانضباط والكد والاستقامة فى أوساط العاملين، كما اهتزت الكثير من القيم الأخلاقية والسلوكية التى صار استفحال ظاهرة التحرش من تجلياتها. فى تشوهات السلوك لا نستطيع أن نتجاهل تأثير الفقر وغياب القدوة والنماذج التى تحتذى ــ كما لا نستطيع تجاهل تأثير ثورة الاتصال التى نقلت العالم الخارجى بحسناته وسيئاته إلى كل بيت وكل الأجيال، إضافة إلى تأثير التليفزيون الذى قدم الإثارة والتشويق وتجاهل التقويم والتهذيب. من ناحية أخرى، فان أحدا لا يستطيع أن يتجاهل تداعيات حالة البلبلة التى تعقب الهزات الكبرى وتسود فى فترات الانتقال حيث يغيب فيها اليقين فى حين يزدحم الأفق بأسئلة المستقبل الحائرة. هذه الخليفة تسوغ لنا أن نقول إن المتحاورين المشتبكين والمتجاذبين أو المتشائمين هم إفراز أجواء التجريف والتصحر الذى عاشت مصر فى ظله خلال العقود الأخيرة. وهى الأجواء التى لا تنتج سوى الشوك والمر الذى نلمس أصداءه بين الحين والآخر. نقلاً عن جريدة "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن طبعنا الوطنى عن طبعنا الوطنى



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon