توقيت القاهرة المحلي 18:25:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عن طبعنا الوطنى

  مصر اليوم -

عن طبعنا الوطنى

فهمي هويدي

  فوجئ كثيرون بالمعلومات التى تسربت عن هبوط مستوى الحوار بين ممثلى القوى السياسية أثناء التقاء الرئيس محمد مرسى بهم فى مسعاه لإطلاق حملة الحوار الوطنى حول القضايا العالقة، وفى مقدمتها مشروع الدستور الجديد. من جانبى اعتبرت أن الجديد فى الأمر هو أن ذلك الحوار تم فى القصر الجمهورى وأمام الدكتور مرسى، الذى قيل له إنه فوجئ بالتراشق الحاصل بين بعض الحاضرين، الأمر الذى اضطره إلى تذكيرهم بأنهم فى حضرة رئيس الجمهورية. فيما عدا ذلك فإن ما سمعه الرئيس كان امتدادا لما تحفل به وسائل الإعلام من اشتباك، لم يخل من وصلات «ردح» تستخدم مصطلحات وعبارات مما يعاقب عليه القانون، وفى الكثير مما تبثه تلك الوسائل المرئية والمقروءة فإن ما تقدمه يتعذر وصفه بأنه حوار، لأنه مسكون بالتحامل والكيد والاصطياد. لست فى وارد الاحتجاج على ذلك السلوك الذى يصدر عمن يعتبرون قوى سياسية ونخبا وناشطين وغير ذلك من الأوصاف المماثلة، لأن الأمر همَّنى من زاوية مختلفة يختزلها السؤال التالى: هل هؤلاء يمثلون الطبع الوطنى فى مصر؟.. والسؤال بهذه الصيغة له قصة لا مفر من أن أرويها. ذلك أننى كنت قد قرأت عرضا استوقفنى لكتاب شهير لعالم السياسية الأمريكى مورجان ثاو عنوانه «السياسة بين الأمم». ولفت نظرى فيه قوله ان الرؤية الاستراتيجية لأى بلد تتحدد فى ضوء الربط الذى يقوم بين المصلحة الوطنية من جهة والقدرات الوطنية من جهة أخرى. وإذا كانت المصلحة الوطنية مفهومة، إلا أن القدرات الوطنية فيها المتغير والثابت. المتغير يتمثل فى الأوضاع الاقتصادية والصناعية وجودة الأداء السياسى وحجم المساندة الشعبية للنظام القائم...الخ. أما ما هو ثابت فى القدرات الوطنية فيتمثل فى أمرين، أولهما الجغرافيا حيث لا سبيل إلى تغيير الموقع الجغرافى إلا فى ظروف. أما ثانيهما فهو ما أسماه بالطبع الوطنى. ويقصد به السِّمة العامة لمجتمع. كأن يقال عن الفرنسيين مثلا إنهم مشهورون بالعقلية الديكارتية. وعن الإنجليز إنهم يتسمون ببرودة دمهم، وعن الروس خوفهم من السلطة ومن الأجنبى، وعن الأمريكيين إنهم منفتحون وسريعو التكيف مع الآخرين. منذ ذلك الحين شغلنى السؤال التالى: ماذا يمكن أن نقول عن الطبع الوطنى للمصريين؟.. ظللت أبحث عن إجابة السؤال كلما وقعت على كتاب يتحدث عن الشخصية المصرية. كان فى ذهنى ما كتبه الإنجليزى إدوارد لين عن عادات المصريين المحدثين وشمائلهم. وما كتبه الدكتور جمال حمدان والدكتورة نعمات فؤاد عن شخصية مصر. والدكتور سيد عويس عن هتاف الصامتين والخلود. والدكتور جلال أمين فى كتابه «ماذا حدث للمصريين». ووجدت كتابات أخرى فى الموضوع للدكاترة على ليلة وأحمد زايد وسعيد فرج ومحمود عودة. كما وجدت أن المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية قد نظم ندوة عالجت الشخصية المصرية من مختلف الزوايا. وكان أهم ما خرجت به ثلاثة أمور أولها أن ثمة شُحَّا فى الدراسات الاكاديمية الحديثة التى تناولت الموضوع، وان بعض الباحثين اكتفوا بالوصف دون التحليل والتأصيل، أما البعض الآخر فقد عنى بإبراز الايجابيات دون السلبيات. الأمر الثانى ان الأمر شديد التعقيد على نحو يصعب فى ظله الخروج بخلاصة واضحة تحدد معالم الطبع الوطنى. ولا يكفى فى ذلك أن يوصف الطبع المصرى بأنه ودود ومرن ويتسم بخفة الظل والفهلوة. الأمر الثالث والمهم أن ذلك الطبع يمكن أن يتغير من مرحلة إلى أخرى. ففى أطوار المد والعافية يعبر الناس عن أفضل ما فيهم. أما سنوات الجزر والانكسار فهى تستخلص من الناس أنفسهم أسوأ ما فيهم. يؤيد ذلك صاحب كتاب طبائع الاستبداد لعبدالرحمن الكواكبى، الذى ربط بين الاستبداد بفساد الأخلاق وزيادة معدلات الجنوح فى مختلف المجالات. هذا الكلام إذا قمنا بتنزيله على الواقع، سنجد أن الثلاثين أو الأربعين سنة الأخيرة فى مصر، التى اقترن فيها الاستبداد بالفساد، أحدثت انقلابا هائلا أدى إلى تشويه طبائع أجيال المصريين، وانقلابا مماثلا فى منظومة القيم السائدة. فقد انتشرت السلبية والانتهازية والأنانية بين المثقفين السياسيين. وتراجعت قيم الانضباط والكد والاستقامة فى أوساط العاملين، كما اهتزت الكثير من القيم الأخلاقية والسلوكية التى صار استفحال ظاهرة التحرش من تجلياتها. فى تشوهات السلوك لا نستطيع أن نتجاهل تأثير الفقر وغياب القدوة والنماذج التى تحتذى ــ كما لا نستطيع تجاهل تأثير ثورة الاتصال التى نقلت العالم الخارجى بحسناته وسيئاته إلى كل بيت وكل الأجيال، إضافة إلى تأثير التليفزيون الذى قدم الإثارة والتشويق وتجاهل التقويم والتهذيب. من ناحية أخرى، فان أحدا لا يستطيع أن يتجاهل تداعيات حالة البلبلة التى تعقب الهزات الكبرى وتسود فى فترات الانتقال حيث يغيب فيها اليقين فى حين يزدحم الأفق بأسئلة المستقبل الحائرة. هذه الخليفة تسوغ لنا أن نقول إن المتحاورين المشتبكين والمتجاذبين أو المتشائمين هم إفراز أجواء التجريف والتصحر الذى عاشت مصر فى ظله خلال العقود الأخيرة. وهى الأجواء التى لا تنتج سوى الشوك والمر الذى نلمس أصداءه بين الحين والآخر. نقلاً عن جريدة "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن طبعنا الوطنى عن طبعنا الوطنى



GMT 15:43 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أين الشرع (فاروق)؟

GMT 15:42 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

لِنكَثّف إنارة شجرة الميلاد

GMT 15:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

نيولوك الإخوان وبوتوكس الجماعة

GMT 15:40 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

سوريّا المسالمة ولبنان المحارب!

GMT 15:39 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

عيد بيت لحم غير سعيد

GMT 15:37 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

راغب علامة... والخوف الاصطناعي

GMT 15:36 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

اعترافات ومراجعات (87).. ذكريات إيرلندية

GMT 15:34 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

بيت لحم ــ غزة... «كريسماس» البهجة المفقودة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 09:47 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

وفد أميركي يزور دمشق للقاء السلطات السورية الجديدة

GMT 09:42 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الرئيس بزشكيان يختم زيارته للقاهرة ويعود إلى طهران

GMT 10:00 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني

GMT 11:30 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أفضل الأماكن لتجنب الإصابة بالإنفلونزا على متن الطائرة

GMT 18:59 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أسهل طريقة لتنظيف المطبخ من الدهون بمنتجات طبيعية

GMT 22:16 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

مواجهة أسوان لا تقبل القسمة على أثنين

GMT 18:47 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon