توقيت القاهرة المحلي 18:25:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ما هذا الخَبل؟

  مصر اليوم -

ما هذا الخَبل

فهمي هويدي

  ما هذا الخَبَل الذى نحن فيه؟ هل يعقل أن يكون تحطيم الأهرامات وأبوالهول والمعابد الفرعونية موضوعا للمناقشة فى بلد يريد أن ينهض ليدخل التاريخ؟ هب أن مخبولا قال هذا الكلام، واقتنع فعلا بأن ما ينكره يجب أن يختفى من على وجه الأرض، فهل يعقل أن يأخذ العقلاء والراشدون كلامه على محمل الجد؟ وبدلا من أن يقترح أحدهم إحالة صاحب الكلام إلى مصحة للأمراض العقلية والنفسية، ويرشح لنا طبيبا حاذقا يستطيع أن يتعامل مع الحالة، فإننا وجدنا منابر إعلامية تردد الكلام وتشيعه بين الناس، ومثقفين يعبرون عن استنكاره ويستخرجون منه الدلالات التى لابد أن يكون من بينها ليس أن الرجل مريض ويستحق العلاج، ولكن أن مناخ التدين الذى شاع فى البلد استدعى هذه الأفكار وشجع أصحابها على الجهر بها. ومن ثم فليست المشكلة فى عقل الرجل ولا فى تردى حالته الذهنية والنفسية، ولكنها فى وعى الأمة الذى تشوه وأصبح مستعدا لاستنبات أمثال تلك الأفكار، ولابد للبيب أن يفهم الإشارة فى هذه الحالة! أتحدث عن صاحبنا الذى انتقاه برنامج تليفزيونى وقدمه إلينا لكى يلوث أسماعنا بهذا الكلام، ويحاول إقناعنا بأن الحضارة الفرعونية حضارة كافرة، وأن الأهرامات وأبوالهول وما شابهها ليست سوى أصنام يجب تحطيمها كما فعل النبى إبراهيم وكما فعل النبى محمد عليه الصلاة السلام مع الأصنام التى أقامتها قريش، ليس ذلك فحسب ولكن الرجل أفرغ ما عنده أمام كاميرات التليفزيون وشجعته حفاوة مقدم البرنامج الذى اعتبره صيدا ثمينا و«ضربة» تليفزيونية «حصرية»، فأضاف أنه وجماعته لن يكتفوا بذلك. ولكنهم سيحطمون كل نوادى الفجور الموجودة فى شارع الهرم، وسيزيلون مختلف مظاهر الخلل والدعارة والعربدة. وبعد أن أخذ راحته حدثنا عن تاريخه المرضى، فذكر أنه ورفاقه اشتركوا فى تحطيم تمثالى بوذا فى أفغانستان بعد أن أمر بذلك الملا عمر ــ زعيم طالبان ــ الذى ذبح حينذاك 100 بقرة اعتذارا لله عن التأخر فى تحطيم الأصنام. فهمنا من التغطية الإعلامية التى اهتمت بالرجل أن المذكور ينتمى إلى كيان اسمه السلفية الجهادية، وأنه وجماعته فى حدود خمسين نفرا كلهم قياديون وليس لهم قواعد (!) ــ وأنهم ممن حاربوا الصليبيين والكفار فى أفغانستان والعراق والشيشان وغيرها، بمعنى أنهم أمضوا عشرين سنة على الأقل فى الكهوف والمخابئ ووسط الأحراش، وهؤلاء الخمسون الذين يمكن توزيعهم على عنبرين فى أى مصحة عقلية أو نفسية نذروا أنفسهم لتطهير المجتمع المصرى من مظاهر الزندقة والوثنية ومكامن التهتك والفجور، وليس واردا لديهم أن يبنوا شيئا ينفع الناس. هل أخطأ الرجل؟ ــ لا أتردد فى القول بإنه لم يخطئ. ذلك أن أى مار بشوارع القاهرة لابد أن يصادف كثيرين من جنسه، بعضهم فى أزياء الدراويش الرثة، وبعضهم يرصعون صدورهم بأغطية زجاجات المياه الغازية، ويعتبرون أنفسهم «جنرالات» يقودن الجيوش السائرة فى شوارع العاصمة، جميعهم ملتحون بدورهم وزائغو البصر، ولا يكفون عن الصياح والنداء بعبارات لا تختلف كثيرا عما يردده صاحبنا القادم من جبال تورا بورا. لكن المجتمع العاقل يتحاشاهم ويرثى لحالهم، ولا يخلو الأمر من بعض الصبية الذين يتبعونهم ويناوشونهم وربما سخروا منهم ورشقوهم بالحجارة. مجتمعنا العاقل لم يعتبرهم نجوما ولم يحتفِ بهم. لكن منابرنا الإعلامية ما برحت تفتش عن أمثالهم بين المنسوبين إلى التدين، ووجدت ضالتها فى أوساط غلاة السلفيين الذين لم يقصروا فى تزويد الإعلاميين الراغبين بالعجائب والغرائب التى تشبع حرصهم على الإثارة وتنافسهم على الفرقعات التى تحدث أكبر من اللغط والضجيج، غير مبالين بما يحدثه ذلك من تلوث وتشويه للوعى وإشغال للناس بالصغائر والسخافات. ليس الأمر مقصورا على صاحبنا الذى دعا إلى هدم الأهرامات وأبوالهول، واستنفر جوقة «المثقفين» المتربصين والجاهزين للتنديد والترويع، لكننا صادفنا نظائر أخرى له، تنافست بعض وسائل الإعلام فى استدراجهم واستنطاقهم والتهليل لهم، منهم من دعانا للعودة إلى أزمنة السبايا وملك اليمين، ومنهم تحدث بشكل جاد عن مشروعية الرق. ومنهم من تبنى الدعوة إلى تزويج الفتيات فى سن التاسعة، ومنهم من حدثنا عن مفاخذه الغلمان، وليس بعيدا عنهم من حللوا رضاع الكبير وأرادوا إقناعنا بالعلاج ببول الإبل. مازلت عند رأيى فى أن أمثال هؤلاء يستحقون العطف والرثاء، وأن إحالتهم للعلاج فى إحدى مصحات الأمراض العقلية أكبر خدمة تقدم لهم، وللمجتمع وللإسلام أيضا. لكنى وجدت أن ذلك لن يحل الإشكال الذى له وجه آخر يتمثل فى أولئك الذين يبحثون عنهم وينتقوهم من دون خلق الله الأسوياء، ثم يقدمونهم من خلال المنابر الإعلامية باعتبارهم رموزا وقياديين. لقد انتقدت موقف أولئك الإعلاميين من قبل فى كتابات عدة، ولكنهم لم يغيروا شيئا من مسلكهم. ويعنُّ لى الآن أن أقترح تخصيص عنبر آخر لهم فى المصحة التى سبقت الإشارة إليها، لكننى لست واثقا من احتمالات نجاح علاجهم.     نقلًا عن جريدة "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما هذا الخَبل ما هذا الخَبل



GMT 15:43 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أين الشرع (فاروق)؟

GMT 15:42 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

لِنكَثّف إنارة شجرة الميلاد

GMT 15:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

نيولوك الإخوان وبوتوكس الجماعة

GMT 15:40 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

سوريّا المسالمة ولبنان المحارب!

GMT 15:39 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

عيد بيت لحم غير سعيد

GMT 15:37 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

راغب علامة... والخوف الاصطناعي

GMT 15:36 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

اعترافات ومراجعات (87).. ذكريات إيرلندية

GMT 15:34 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

بيت لحم ــ غزة... «كريسماس» البهجة المفقودة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 09:47 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

وفد أميركي يزور دمشق للقاء السلطات السورية الجديدة

GMT 09:42 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الرئيس بزشكيان يختم زيارته للقاهرة ويعود إلى طهران

GMT 10:00 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني

GMT 11:30 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أفضل الأماكن لتجنب الإصابة بالإنفلونزا على متن الطائرة

GMT 18:59 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أسهل طريقة لتنظيف المطبخ من الدهون بمنتجات طبيعية

GMT 22:16 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

مواجهة أسوان لا تقبل القسمة على أثنين

GMT 18:47 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon