توقيت القاهرة المحلي 14:27:16 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ما هذا الخَبل؟

  مصر اليوم -

ما هذا الخَبل

فهمي هويدي

  ما هذا الخَبَل الذى نحن فيه؟ هل يعقل أن يكون تحطيم الأهرامات وأبوالهول والمعابد الفرعونية موضوعا للمناقشة فى بلد يريد أن ينهض ليدخل التاريخ؟ هب أن مخبولا قال هذا الكلام، واقتنع فعلا بأن ما ينكره يجب أن يختفى من على وجه الأرض، فهل يعقل أن يأخذ العقلاء والراشدون كلامه على محمل الجد؟ وبدلا من أن يقترح أحدهم إحالة صاحب الكلام إلى مصحة للأمراض العقلية والنفسية، ويرشح لنا طبيبا حاذقا يستطيع أن يتعامل مع الحالة، فإننا وجدنا منابر إعلامية تردد الكلام وتشيعه بين الناس، ومثقفين يعبرون عن استنكاره ويستخرجون منه الدلالات التى لابد أن يكون من بينها ليس أن الرجل مريض ويستحق العلاج، ولكن أن مناخ التدين الذى شاع فى البلد استدعى هذه الأفكار وشجع أصحابها على الجهر بها. ومن ثم فليست المشكلة فى عقل الرجل ولا فى تردى حالته الذهنية والنفسية، ولكنها فى وعى الأمة الذى تشوه وأصبح مستعدا لاستنبات أمثال تلك الأفكار، ولابد للبيب أن يفهم الإشارة فى هذه الحالة! أتحدث عن صاحبنا الذى انتقاه برنامج تليفزيونى وقدمه إلينا لكى يلوث أسماعنا بهذا الكلام، ويحاول إقناعنا بأن الحضارة الفرعونية حضارة كافرة، وأن الأهرامات وأبوالهول وما شابهها ليست سوى أصنام يجب تحطيمها كما فعل النبى إبراهيم وكما فعل النبى محمد عليه الصلاة السلام مع الأصنام التى أقامتها قريش، ليس ذلك فحسب ولكن الرجل أفرغ ما عنده أمام كاميرات التليفزيون وشجعته حفاوة مقدم البرنامج الذى اعتبره صيدا ثمينا و«ضربة» تليفزيونية «حصرية»، فأضاف أنه وجماعته لن يكتفوا بذلك. ولكنهم سيحطمون كل نوادى الفجور الموجودة فى شارع الهرم، وسيزيلون مختلف مظاهر الخلل والدعارة والعربدة. وبعد أن أخذ راحته حدثنا عن تاريخه المرضى، فذكر أنه ورفاقه اشتركوا فى تحطيم تمثالى بوذا فى أفغانستان بعد أن أمر بذلك الملا عمر ــ زعيم طالبان ــ الذى ذبح حينذاك 100 بقرة اعتذارا لله عن التأخر فى تحطيم الأصنام. فهمنا من التغطية الإعلامية التى اهتمت بالرجل أن المذكور ينتمى إلى كيان اسمه السلفية الجهادية، وأنه وجماعته فى حدود خمسين نفرا كلهم قياديون وليس لهم قواعد (!) ــ وأنهم ممن حاربوا الصليبيين والكفار فى أفغانستان والعراق والشيشان وغيرها، بمعنى أنهم أمضوا عشرين سنة على الأقل فى الكهوف والمخابئ ووسط الأحراش، وهؤلاء الخمسون الذين يمكن توزيعهم على عنبرين فى أى مصحة عقلية أو نفسية نذروا أنفسهم لتطهير المجتمع المصرى من مظاهر الزندقة والوثنية ومكامن التهتك والفجور، وليس واردا لديهم أن يبنوا شيئا ينفع الناس. هل أخطأ الرجل؟ ــ لا أتردد فى القول بإنه لم يخطئ. ذلك أن أى مار بشوارع القاهرة لابد أن يصادف كثيرين من جنسه، بعضهم فى أزياء الدراويش الرثة، وبعضهم يرصعون صدورهم بأغطية زجاجات المياه الغازية، ويعتبرون أنفسهم «جنرالات» يقودن الجيوش السائرة فى شوارع العاصمة، جميعهم ملتحون بدورهم وزائغو البصر، ولا يكفون عن الصياح والنداء بعبارات لا تختلف كثيرا عما يردده صاحبنا القادم من جبال تورا بورا. لكن المجتمع العاقل يتحاشاهم ويرثى لحالهم، ولا يخلو الأمر من بعض الصبية الذين يتبعونهم ويناوشونهم وربما سخروا منهم ورشقوهم بالحجارة. مجتمعنا العاقل لم يعتبرهم نجوما ولم يحتفِ بهم. لكن منابرنا الإعلامية ما برحت تفتش عن أمثالهم بين المنسوبين إلى التدين، ووجدت ضالتها فى أوساط غلاة السلفيين الذين لم يقصروا فى تزويد الإعلاميين الراغبين بالعجائب والغرائب التى تشبع حرصهم على الإثارة وتنافسهم على الفرقعات التى تحدث أكبر من اللغط والضجيج، غير مبالين بما يحدثه ذلك من تلوث وتشويه للوعى وإشغال للناس بالصغائر والسخافات. ليس الأمر مقصورا على صاحبنا الذى دعا إلى هدم الأهرامات وأبوالهول، واستنفر جوقة «المثقفين» المتربصين والجاهزين للتنديد والترويع، لكننا صادفنا نظائر أخرى له، تنافست بعض وسائل الإعلام فى استدراجهم واستنطاقهم والتهليل لهم، منهم من دعانا للعودة إلى أزمنة السبايا وملك اليمين، ومنهم تحدث بشكل جاد عن مشروعية الرق. ومنهم من تبنى الدعوة إلى تزويج الفتيات فى سن التاسعة، ومنهم من حدثنا عن مفاخذه الغلمان، وليس بعيدا عنهم من حللوا رضاع الكبير وأرادوا إقناعنا بالعلاج ببول الإبل. مازلت عند رأيى فى أن أمثال هؤلاء يستحقون العطف والرثاء، وأن إحالتهم للعلاج فى إحدى مصحات الأمراض العقلية أكبر خدمة تقدم لهم، وللمجتمع وللإسلام أيضا. لكنى وجدت أن ذلك لن يحل الإشكال الذى له وجه آخر يتمثل فى أولئك الذين يبحثون عنهم وينتقوهم من دون خلق الله الأسوياء، ثم يقدمونهم من خلال المنابر الإعلامية باعتبارهم رموزا وقياديين. لقد انتقدت موقف أولئك الإعلاميين من قبل فى كتابات عدة، ولكنهم لم يغيروا شيئا من مسلكهم. ويعنُّ لى الآن أن أقترح تخصيص عنبر آخر لهم فى المصحة التى سبقت الإشارة إليها، لكننى لست واثقا من احتمالات نجاح علاجهم.     نقلًا عن جريدة "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما هذا الخَبل ما هذا الخَبل



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon