فهمي هويدي
إذا جاز لنا أن نبحث عن خيط للتفاؤل فى مصر المحتقنة والمتوترة. فقد نراهن فى ذلك على الأسبوع الذى يبدأ اليوم (السبت 22/12)، الذى أزعم أنه يمكن أن يمدنا بذلك الخيط ــ لماذا؟ ــ لسببين. أولهما أن المرحلة الثانية من الاستفتاء على الدستور ستحسم لنا الجدل حول نعم أو لا. وبذلك سيصبح بين أيدينا مشروع للدستور يمكن أن تجرى على أساسه الانتخابات النيابية القادمة، الأمر الذى يفترض أن يسمح بدوران العجلة واستكمال بناء مؤسسات الدولة. السبب الثانى أنه يفترض أن تعقد يوم الثلاثاء القادم الجولة الرابعة من حوار القوى السياسية، التى تستهدف التوافق على المواد الخلافية فى الدستور، وما يتعين تعديله منها أو حذفه أو إضافته. وحسب معلوماتى فإن أغلب القوى المعارضة التى قاطعت الحوار أبدت استعدادها للانضمام إليه بعد الانتهاء من الاستفتاء أيا كانت نتيجته. والوحيد الذى لم يعد بالمشاركة فى الحوار هو الدكتور محمد البرادعى أما زملاؤه فيما عرف باسم جبهة الإنقاذ فقد أبلغوا أمانة لجنة الحوار بأنهم سيشاركون فى الحوار المفترض.
أثناء مناقشة الموضوع مع نائب الرئيس المستشار محمود مكى قال لى إن نتائج الحوار التى سيتم الاتفاق عليها ستتضمنها وثيقة يقرها ويوقع عليها الرئيس محمد مرسى. وهذه ستعلن على الكافة، وسيتعهد الرئيس بمقتضاها بتقديمها إلى أول جلسة للبرلمان المنتخب، لإقرار التعديلات على الدستور التى انتهى إليها وأقرها المشاركون فى لجنة الحوار.
هذا الكلام أغرانى بأن أطرح عليه السؤال التالى: إذا كان هناك استعداد لإدخال تعديلات القوى الوطنية على مشروع الدستور، أما كان من الأولى أن يؤجل الاستفتاء للاتفاق على تلك التعديلات، بدلا من إجراء الاستفتاء أولا ثم اللجوء إلى التعديل فى وقت لاحق؟ فى رده فاجأنى نائب الرئيس بقوله إن الرئيس مرسى كان قد وافق على فكرة تأجيل الاستفتاء، وأن مستشاره القانونى أعد له صيغة قرار جمهورى بهذا المعنى. نص على إجراء الاستفتاء خلال 30 يوما من الانتهاء من مشروع الدستور، بدلا من الـ15 يوما المنصوص عليها فى التعديل الدستورى المعمول به. وكان الرئيس على استعداد لتوقيع القرار ولكنه (المستشار مكى) تدخل فى اللحظة الأخيرة وطلب من المستشار القانونى دراسة مدى دستورية ذلك القرار، لتجنب الطعن فيه أمام المحاكم، الأمر الذى يهدد بإبطال الاستفتاء بدعوى مخالفته للنص الدستورى.
حين تمت دراسة هذه النقطة تبين أن قرار الرئيس مهدد فعلا بالطعن والإلغاء، وأنه لا مفر من إجراء الاستفتاء فى موعده دون تأجيل، ولذلك استبعدت الفكرة ولم يكن هناك مفر من تحديد موعد الاستفتاء خلال 15 يوما.
فى حدود علمى أيضا فإنه قبل إعلان النتيجة الرسمية للاستفتاء فسوف يصدر رئيس الجمهورية قرارا ــ متوقعا بين لحظة وأخرى ــ بتعيين 90 عضوا فى مجلس الشورى إعمالا للقانون، الذى يفترض أن تنتقل إليه سلطة التشريع بمجرد تمام الإعلان، وتنزع تلك السلطة من رئيس الجمهورية، الذى لن يكون له أى دور فى التشريع بعد ذلك. وكان الموضوع محل مناقشة مستفيضة فى جلسات الحوار التى عقدها نائب الرئيس مؤخرا. وتناولت المناقشات التى جرت كيفية تمثيل القوى السياسية من ناحية فى قائمة التسعين، وكيفية تمثيل أكبر قدر من الكفاءات والخبرات القانونية فى مجلس الشورى الذى يفتقد إليها ومعايير اختيار المرشحين. وقد فهمت أن فكرة استبعاد الإسلاميين من حيث المجموعة طرحت فى البداية، باعتبار أنهم ممثلون بما فيه الكفاية داخل الأعضاء المنتخبين فى مجلس الشورى (حوالى 80٪ من أعضائه)، لكن تلك الفكرة عدل عنها لأن البعض اعتبرها «إقصاء» لا لزوم له. وبعد أخذ ورد استبعد خلاله اقتراح تمثيل السلفيين بنسبتهم فى مجلس الشورى، تم الاتفاق على أن يكون عدد الإسلاميين فى حدود 20 شخصا فقط على أن يكونوا من ذوى الخبرة القانونية. أما الباقون (70 عضوا) فسيكونون من غير ممثلى التيار الإسلامى، وفى حالة تقديم القوى المدنية بمرشحيها فسيكون ذلك هو الأصل فى الاختيار، أما إذا آثرت استمرار المقاطعة والامتناع عن المشاركة فى مجلس الشورى، فسوف يتم ترشيح آخرين من الخبراء المستقلين. من قبل أمانة لجنة الحوار الوطنى. وقد تم إعداد تلك البدائل بالفعل فى ضوء المعايير والنسب التى تم الاتفاق عليها.
قد تبدو تلك قراءة متفائلة نسبيا لأحداث الأسبوع، وهو أمر لا غضاضة فيه. فالحديث النبوى يقول: تفاءلوا بالخير تجدوه. لكننى أرجو أن تكون الأيام القليلة القادمة بداية عودة الرشد إلى جميع المتعاركين من قيادات معسكرى الموالاة والمعارضة، وانتقالهم من ساحة الاقتتال الذى أنهك الوطن وأوقف حاله، إلى ساحة القتال دفاعا عن الوطن وحلمه فى الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية. وأرجو ألا ينبرى واحد من المتحزبين الذين أدمنوا الاعتصام فى ميدان التحرير طوال الأشهر الماضية ليسألنى: ماذا تعنى كلمة وطن؟!
نقلاً عن جريدة "الشروق"