توقيت القاهرة المحلي 06:10:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مناحة فى بر مصر

  مصر اليوم -

مناحة فى بر مصر

فهمي هويدي

مشاهدة مصر من خلال التليفزيون ترفع الضغط، وقراءتها فى الصحف تجلب الاكتئاب. كان ذلك شعورى حين غبت عن القاهرة عدة أيام فشاهدتها على الفضائيات، ثم حين طالعت الصحف بعد العودة. وقد أقنعتنى المقارنة بين الحالين أن التليفزيون أرحم نسبيا. لأن المرء إذا أصابه الملل أو الغم فبوسعه أن يضغط على زر «الريموت» لكى يتحول إلى قناة أخرى تريح أعصابه وقد تروح عنه. لكن الأمر مختلف مع الصحف لأنك إذا قلبت الصفحة وانتقلت إلى صفحة أخرى فسوف يلاحقك الغم والنكد بما تقرأ. وإذا ضقت بالصحيفة وألقيتها جانبا ثم التقطت صحيفة أخرى فسوف تفاجأ بنفس الكلام وربما نفس الرسومات الكاريكاتورية. لذلك أقنعتنى التجربة بأن مصر تعيش فى الوقت الراهن أيام المناحة الكبرى. بعدما أصبح النائحون والنائحات يملأون الأفق بشخوصهم وأصواتهم، ويلاحقون المرء حيثما ذهب. حتى إننى حين وضعت أعداد الصحف المصرية التى صدرت خلال الأيام الأربعة التى غبتها، فإنها بدت لى وكأنها سرادق كبير، اصطف فيه طوابير النائحين والنائحات المتشنجين منهم والمتشنجات، جميعهم تنافسوا فى الصراخ والعويل وتفننوا فى التعبير عن الحسرة والأسى، جنبا إلى جنب مع الهجاء واللعان. لم يكن الموقف جديدا، لكن الحشد هو الذى أثار الانتباه، ذلك أن الانطباع الذى يخرج به المرء من مطالعة ثمانى صحف على الأقل فى الصباح، لابد أن يختلف حين يضع المرء أمامه نحو ثلاثين صحيفة دفعة واحدة، تلقى فى وجهه بجرعة من الكآبة لا تفلح أية أدوية موصوفة فى علاجها. يثير الانتباه أيضا أن الجميع يقولون كلاما واحدا بصياغات مختلفة. فهم ينعون حظ مصر «الهباب» الذى قادته إليه الانتخابات، وينددون بالكارثة التى حلت بها، والورطة التى وقعت فيها، والمستقبل الأسود الذى بات ينتظرها، بعدما صبرت طويلا وضحت كثيرا، وظنت أن الفجر قد لاح وأن الأزمة حين استحكمت، واشتدت فإن أوان الفرج قد حل. إلا أنهم ارتأوا أن ذلك بات وهما كبيرا، حيث انتقلت مصر من ظلمات إلى ظلمات، وخرجت من أزمة لتقع فى براثن أزمة أخرى، فصارت كمن تخطى حفره ثم وجد أنه وقع فى بئر. إذا غضضت الطرف عن اللغة المستخدمة فى الصياح والعويل، خصوصا عن البذاءات والعبارات الهابطة التى يتم التراشق بها، ستجد أن الذين يظهرون على الشاشات يشكلون جناحا من الندابين والندابات. لكن الأهم من ذلك أنك ستكتشف حين تنصت بأذنيك وترى بعينيك أن المجتمع ليس طرفا فى العراك، فلا أحد مشغولا بحاجات الناس وهمومهم، لكن الجميع مشغولون بحساباتهم وطموحاتهم وأنصبتهم، وإصرارهم على هدم الآخر وإفشاله. ثمة أسئلة يستدعيها المشهد، منها على سبيل المثال: لماذا الكل مستغرق فى النواح والتنديد بالمشكلة، ولماذا لا نسمع أصوات الذين يفكرون فى حلها؟ وهل هؤلاء الأخيرون اختفوا من الساحة أم أنهم موجودون، لكن أصواتهم لا تسمع وسط الضجيج المثار؟ وإلى أين سيقودنا النواح فى نهاية المطاف.. وهل يخدم ذلك الثورة أم أنه يفتح بابا لتسرب عناصر الثورة المضادة، التى قد تستشعر ذات الحسرة ولكنها على المجد والسطان الذى فقدوه، وليس على حلم الثورة الذى لم يتحقق؟ إن النواح والهجاء والملاعنة أمور بوسع أى أحد أن يمارسها، أما معالجة الأزمة وفك عقدها وتقديم حلول مقبولة لها، فهى تحتاج إلى عقل رشيد ونقاء فى السريرة وإخلاص ومحبة للوطن تقدم مصالحه العليا فوق كل اعتبار آخر. ومن غرائب المشهد الذى نحن بصدده أن خطاب النائحين فرض نفسه على الساحة. فصرنا نسمع الانفعال بأكثر مما نسمع لصوت العقل ونتراشق بأكثر مما نتحاور ونتبادل الشتائم والاتهامات بأكثر مما نلجأ إلى الإعذار أو نردد من الحجج. وهى خلفية تدعونا إلى التساؤل عن تفسير لغياب دور الراشدين والغيورين، الذين لا أتصور أنهم جميعا غرقوا فى مستنقع الاستقطاب، حيث أزعم أن عقل مصر أكبر من أن يبتذل إلى ذلك الحد. فى عام 1921، حين انقسمت مصر أثناء التفاوض مع الاحتلال البريطانى بين سعد باشا زغلول وعدلى باشا يكن وتعددت صور الصدام بين السعديين والعدليين (على النحو الذى سبق ذكره) هب رجالات من مصر لحل الإشكال، من الأمير عمر طوسون والأمير محمد على إلى الشيخ بخيت والسيد البكرى مرورا بالعديد من الشخصيات العامة، وتنافسوا فى محاولة رأب الصدع وتجاوز المأزق، وهذا الذى حدث قبل تسعين عاما نكاد نفتقده هذه الأيام، حتى أزعم أن أهم أسئلة الساعة فى الوقت الراهن هو: لماذا لا نرى حضورا فى ساحة العراك لعقل مصر وأبنائها الغيورين الذين استعلوا فوق الاستقطاب واستهجنوه؟ نقلاً عن جريدة "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مناحة فى بر مصر مناحة فى بر مصر



GMT 15:43 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أين الشرع (فاروق)؟

GMT 15:42 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

لِنكَثّف إنارة شجرة الميلاد

GMT 15:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

نيولوك الإخوان وبوتوكس الجماعة

GMT 15:40 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

سوريّا المسالمة ولبنان المحارب!

GMT 15:39 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

عيد بيت لحم غير سعيد

GMT 15:37 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

راغب علامة... والخوف الاصطناعي

GMT 15:36 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

اعترافات ومراجعات (87).. ذكريات إيرلندية

GMT 15:34 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

بيت لحم ــ غزة... «كريسماس» البهجة المفقودة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon