فهمي هويدي
من مفارقات المشهد السياسى المصرى أنه فى الوقت الذى يعج فيه الشارع بالمظاهرات المخاصمة فإن الفضاء يحفل بالمبادرات الداعية إلى رأب الصدع والتصالح. شأن المظاهرات معلوم للكافة بعدما أصبحت محور التغطية التليفزيونية والصحفية البريئة وغير البريئة طوال الأسابيع الماضية. أما المبادرات فحظها من التغطية أقل، ربما لأنها متعددة المصادر ومتباعدة فى توقيت إطلاقها ومختلفة فى تفاصيلها. وربما لأنها أقل إثارة من التظاهر وما يتخلله من تدافع وعنف. وقد أحصيت سبع مبادرات منها معلقة فى فضاء الوطن فى الوقت الراهن هى: مبادرة وقف العنف التى صدرت يوم الخميس الماضى (31/1) تحت رعاية شيخ الأزهر ــ مبادرة اللقاء بين المشاركين فى الحوار الوطنى الذى دعا إليه رئيس الجمهورية وبين المعارضين أو المقاطعين له وقد خرجت من عباءة المبادرة السابقة ــ مبادرة حزب النور السلفى التى توافق عليها مع جبهة الإنقاذ وتضمنت عدة نقاط ومطالب مشتركة ــ مبادرة الحوار الوطنى التى تتم فى إطار رئاسة الجمهورية وقاطعتها المعارضة ــ مبادرة الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح رئيس حزب مصر القوية التى دعا فيها إلى تشكيل فريق عمل من أربعة أشخاص يمثلون الإخوان وجبهة الإنقاذ لإدارة الأزمة مع رئيس الجمهورية ــ مبادرة الدكتور محمد البرادعى التى دعا إلى حوار مع الرئيس بحضور وزيرى الدفاع والداخلية ــ مبادرة وقف التظاهرات لمدة ثلاثة أيام التى دعا إليها حزب الحضارة لتهدئة الأجواء وتفويت الفرصة على دعاة الفوضى والتخريب.
وإذا كانت أى مبادرة تقاس أهميتها ليس فقط بمضمونها ومقاصدها، ولكن أيضا بمقدار قبولها من جانب الأطراف المعنية فأزعم أن مبادرة وقف العنف التى ارتضاها الجميع تحظى بقيمة أكبر رغم أنها ركزت على المبادئ ولم تدخل فى الإجراءات. وربما كانت حدودها تلك تشكل أحد عناصر قبولها. لأن الكلام المطلق عن رفض العنف لا يستطيع أحد أن يعترض عليه، حتى أولئك الذين يؤيدونه فى الواقع ويرونه سبيلا فعالا لردع الآخرين وترهيبهم. وبسبب موقفها الأدبى والأخلاقى وخلوها من أية تكاليف عملية فإن أحدا لم يتخلف عن المشاركة فى تأييدها. وقد تابعنا توقيعات جميع الأطراف فى البيان الذى جرى تعميمه على الكافة عبر البريد الإلكترونى فى وقت لاحق. ولا أستبعد أن تكون رعاية شيخ الأزهر للمبادرة قد شكلت عاملا آخر فى الجذب، خصوصا بعدما أصبح للأزهر وشيخه دور ملموس فى مساعى الوفاق الوطنى. إلا أننى أضيف سببا ثالثا دفع البعض إلى الحماس للتوقيع على المبادرة، وهو أن أولئك «البعض» أرادوا أن يغسلوا أيديهم من العنف الذى شهدته البلاد فى الآونة الأخيرة، والذى أثار استياء وغضب المجتمع، رغم أنهم كانوا من المشجعين له، بل إن الشائعات تتحدث عن ضلوعهم فى رعايته. وبعدما فاحت تلك الرائحة وترددت الهمسات منتقدة ذلك الدور. فإنهم سارعوا إلى تأييد مبادرة وقف العنف لدحض الشبهة ورد التهمة.
وفيما علمت فإن رئيس حزب الوسط المهندس أبوالعلا ماضى الذى شهد اللقاء انتهز فرصة تمثيل الجميع فيه، وتشاور مع رئيس حزب الوفد الدكتور سيد بدوى فى فكرة تطوير الفكرة واستثمارها لصالح الحوار بين الفرقاء للخروج بالبلد من الأزمة الراهنة. وتبلورت لديهما فكرة تشكيل مجموعة عمل من 12 شخصا (خمسة يمثلون المشاركين فى الحوار الذى يرعاه رئيس الجمهورية وخمسة آخرون يمثلون جبهة الإنقاذ إضافة إلى اثنين يمثلان شباب الثورة) وهذه المجموعة تلتقى هذا الأسبوع للتوافق على جدول أعمال يفتح الطريق على أساس واضح للالتحاق بالحوار الذى ترعاه الرئاسة. وفهمت أنه أثناء الجلسة رجع كل واحد إلى شركائه وتم الاتفاق على الفكرة التى نقلت إلى شيخ الأزهر، فأعلنها ضمن توصيات اللقاء.
فيما يبدو فإن فكرة تشكيل مجموعة العمل هذه تقدمت على غيرها من المبادرات، حتى إشعار آخر على الأقل. إلا أن ذلك لا يعنى أن طريق الحوار الوطنى بات مفتوحا والطريق ممهدا، لأننى مازلت عند رأيى فى أن ثمة أطرافا لا تريد الحوار وتسعى لإفشاله للأسباب التى ذكرتها يوم الخميس الماضى. وفى الأجواء روائح يشتم منها أن ثمة ترتيبا للخلاص مما يسمونه هيمنة الإخوان من خلال تربيطات تجهز للانتخابات القادمة، رغم أن ذلك أمر مفهوم وربما كان مشروعا فى الممارسات الديمقراطية، مادامت هذه التربيطات تمر فى النهاية بصندوق الانتخاب.
أنبه فى الأخير إلى أننا مازلنا مشدودين إلى حل مشكلة الرئاسة مع نخبة المعارضة السياسية، ولكن هناك جبهة أخرى أهم لم تلق حقها من المبادرة تتعلق بمشكلة المجتمع الذى صنع الثورة ولايزال ينتظر أن يجنى ناسه بعض ثمارها. وأرجو ألا يطول انتظارهم، لأن للناس حقوقا وللصبر حدودا.
نقلاً عن جريدة "الشروق"