توقيت القاهرة المحلي 07:37:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فى عبرة ما جرى

  مصر اليوم -

فى عبرة ما جرى

فهمي هويدي

لم تمض 24 ساعة على إعلان مبادرة وقف العنف فى مصر حتى انفجر العنف مرة أخرى بصورة بدت أشد مما سبق، وهى مفارقة لها ثلاث دلالات على الأقل. الأولى أن العنف لا يتوقف ببيان يعلن عن الملأ عبر وسائل الإعلام، ولكن له أسباب كامنة على الأرض يتعين علاجها. الدلالة الثانية أن الذين وقعوا على الوثيقة باعتبارهم يمثلون النخبة السياسية فى مصر لا سلطان لهم حقيقيا على الأرض. ولكنهم هم الذين فرضوا أنفسهم على الشارع واعتلوا منصة الخطابة فيه. وقد سبق أن قلت إنهم زعماء افتراضيون نصبوا أنفسهم فى الفضاء مستعينين فى ذلك بوسائل الإعلام. آية ذلك أننا لم نلمس استجابة من أى نوع لندائهم، الذى بدا نوعا من التعبير عن الأمنيات والنوايا الطيبة لدى الذين أعدوه والذين وقعوه، بأكثر منه تحريكا للشارع وتأثيرا عليه. أما الدلالة الثالثة فإنه كان متعذرا التفاعل مع وثيقة وقف العنف، ولو حتى من باب مجاملة شيخ الأزهر الذى رعاها و«الرموز» التى وقعتها، فى الوقت الذى تستمر وسائل الإعلام فى تعبئة الناس وتحريضهم على الاشتباك مع السلطة صباح مساء. الأمر الذى بدا فيه إطلاق الوثيقة باعتباره من قبيل التغريد خارج السرب. إن العبرة التى ينبغى أن نستخلصها مما جرى أن فكرة وقف العنف التى نتعاطف معها ونرحب بها خصوصا انها ظاهرة جديدة على سلوك الشعب المصرى تعد علاجا لمشكلة قبل تشخيصها وتحرير أسبابها. وهو فى ذلك أقرب إلى منطق وضع العربة أمام الحصان. ولذلك تمنيت أن يسبقها جهد آخر للتشخيص الذى يتحرى أسبابه والعوامل أو العناصر التى تقف وراءه. وبناء على ذلك التشخيص يجرى التفكير فى العلاج. وبالمناسبة فإننا لا نستطيع أن نعفى السلطة من التقصير فى هذا الجانب. ومن الواضح أنها اعتمدت فى تعاملها مع العنف على الإجراءات وليس السياسات. وهو ذات المنطق التقليدى الذى يعتمد على قوة السلطة وعضلاتها، لكنه لا يعتمد على عقلها وإدراكها لمجريات الأمور فى المجتمع. كانت تلك هى الملاحظة الأولى. أما الملاحظة الثانية فهى تنصب على المشهد المروع الذى تابعناه ليلة الجمعة، الذى رأينا فيه أحد المواطنين وقد تم سحله والتنكيل به وهو عار تماما بعدما مزقت ثيابه، فى أثناء الاشتباكات التى وقعت أمام قصر الاتحادية، وهو مشهد يجلل بالعار سجل وزارة الداخلية ويشين النظام القائم برمته إذا سكت عليه ولم يتعامل معه بمنتهى الحزم والشدة. دعك من الفضيحة العالمية التى أحدثها بث تلك الصورة، الأمر الذى سيظل وصمة ونقطة سوداء فى جبين النظام القائم بعد الثورة، بل فى جبين الربيع العربى. فى ذات الوقت فانه يمثل هدية مجانية ثمينة للذين يسعون إلى تخويف الناس فى العالم العربى خاصة وتنفيرهم من الربيع وتداعياته. إذا قال قائل بأن الربيع العربى حرر الإنسان من سلطان الاستبداد وسلحه بالجرأة والاعتزاز بكرامته والإصرار على مطالبته بحقه، فلن اختلف معه فى شىء. وربما جاز لى أن أضيف إليه قرائن أخرى تؤكد أنه يمثل نقطة تحول فى التاريخ العربى المعاصر. لكننى أذكر بأن النقطة السوداء تظل أكثر ما يلفت الأنظار فى أى ثوب مهما كان بياضه. رغم مسارعة وزارة الداخلية إلى الاعتذار عما حدث والتحقيق مع المسئولين عنه، فإن الحادث يثير ثلاث نقاط هى: < أنه ثمة ثقافة فى أوساط الشرطة ينبغى أن تتغير. صحيح أن خمسة وزراء للداخلية تعاقبوا المنصب خلال السنتين اللتين أعقبتا الثورة، إلا أن التغيير شمل الأفراد ولم يشمل الثقافة بعد. بدليل أننا لم نلمس حتى الآن تغييرا جوهريا فى تعامل الشرطة مع المجتمع بعد الثورة. لا أنكر أن ثمة تغييرا نسبيا ــ  إصلاحى وبطىء فى الأغلب ــ إلا أنه يظل دون المستوى الذى يعبر عن حدوث ثورة فى البلد. لا استطيع أن أتجاهل الانهاك والضغط وربما قصور الامكانيات لدى أجهزة الشرطة، لكن ذلك كله لا يبرر لا سحل مواطن عار ولا قتل متظاهر غاضب. < أن المرء لا يستطيع أن يخفى دهشته إزاء العجز عن التعرف على الجهة أو الأطراف التى تسعى إلى إشاعة الفوضى وإطلاق الرصاص على المتظاهرين السلميين، وقد قيل لى ممن يعرفون أكثر منى أن الداخلية تقف وحدها فى مواجهة هذه الظاهرة، وانها فى مسيس الحاجة إلى تعاون الجهات الأخرى المسئولة لكى تمسك بخيوط تلك المحاولات الخبيثة وفك ألغازها. < أن الدهشة تستمر أيضا ــ بل تتضاعف ــ إزاء سكوت القيادة السياسية إزاء الحدث، الذى ينبغى ألا يفهم بحسبانه عدوانا من الشرطة على بعض المتظاهرين، لأنه فى جوهره عدوان من السلطة على المجتمع. لأن إهانة مواطن بتلك الصورة البشعة، أو بأى صورة أخرى، هو عدوان على المصريين جميعا ــ لذا لزم التنويه. نقلاً عن جريدة "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فى عبرة ما جرى فى عبرة ما جرى



GMT 15:43 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أين الشرع (فاروق)؟

GMT 15:42 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

لِنكَثّف إنارة شجرة الميلاد

GMT 15:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

نيولوك الإخوان وبوتوكس الجماعة

GMT 15:40 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

سوريّا المسالمة ولبنان المحارب!

GMT 15:39 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

عيد بيت لحم غير سعيد

GMT 15:37 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

راغب علامة... والخوف الاصطناعي

GMT 15:36 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

اعترافات ومراجعات (87).. ذكريات إيرلندية

GMT 15:34 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

بيت لحم ــ غزة... «كريسماس» البهجة المفقودة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon