توقيت القاهرة المحلي 15:59:13 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إضاءات مسكوت عليها

  مصر اليوم -

إضاءات مسكوت عليها

فهمي هويدي

لأن الأخبار السارة شحيحة فى الوقت الراهن، فإن فوز باحث مصرى بجائزة دولية فى التنمية الذاتية يصبح خبرا يستحق الحفاوة. وإذا كان الفوز بحد ذاته شىء مهم، فإن الأهم منه هو موضوعه الذى يبدو أنه غير مدرج على جدول أعمال المرحلة فى مصر. الباحث هو الدكتور حامد الموصلى الأستاذ المتفرغ بهندسة عين شمس، ورئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للتنمية الذاتية. وقد فاز بجائزة خليفة الدولية لنخيل التمر (أبوظبى دورة 2013). وقيمتها نحو 400 ألف جنيه مصرى، قرر الرجل التبرع بها لصالح الجمعية التى تضم عددا من الخبراء المصريين الذين نذروا أنفسهم لرسالة النهوض بالمجتمعات الريفية. المهمة التى أنجزتها الجمعية، والتى كانت سببا فى حصول الدكتور الموصلى على الجائزة، تتلخص فى أنها نجحت فى تنفيذ مشروع لنشر الصناعات الصغيرة القائمة على خامات النخيل، وقد تم اختيار قرية القايات، التى تعد واحدة من أفقر عشر قرى بمحافظة المنيا، لتكون المختبر الذى أقيمت فيه التجربة، التى تم تمويلها بمنحة قدمتها مؤسسة «مصر الخير». نجح الدكتور حامد الموصلى والفريق العامل معه فى تصميم وتصنيع معدات متبكرة بواسطتها تم تحويل جريد النخيل إلى سدائب منتظمة القطع، وكذلك ألواح منتظمة السمك والعرض، الأمر الذى مكنهم من تصنيع ألواح «باركيه» وألواح «كونتر» تفى بمتطلبات المواصفات القياسية العالمية وتضاهى مثيلاتها المصنعة من الأخشاب المستوردة. ليس ذلك فحسب وإنما نجح خبراء المشروع فى استخدام مفروم الجريد فى صناعة المصبعات كوقود حيوى قابل للتصدير، وهذه المصبعات يمكن استخدامها للتدفئة فى المنازل بدلا من الفحم الحجرى، كما يمكن استخدامها فى تشغيل محطات القوى الكهربائية بدلا من الفحم والمازوت. وهذا المنتج يمكن فى حالة تصديره أن يحقق عائدا مجزيا بملايين الدولارات. من مفروم الجريد نجحت تجارب صناعة أعلاف الدواجن، ومن خوص النخيل نجحت تجارب تصنيع «الكارينة» التى تستخدم فى التنجيد، الأمر الذى يفتح آفاقا واسعة للنهوض بالريف المصرى اعتمادا على موارده المحلية. وإذا علمنا أن فى مصر نحو 12 مليون نخلة (تركز فى الصعيد والواحات وشمال سيناء) فلك أن تتصور العائد الذى يمكن أن يتحقق من استثمار هذه الثروة وتوظيفها فى تنمية المجتمعات المحلية وانعاشها. هذا الجهد يمثل سباحة ضد التيار السائد، الذى اعتادت رموزه أن تمد أبصارها إلى الشاطئ الآخر وتتلهف على الاستيراد من الخارج، دون النظر تحت الأقدام ومحاولة التفكير فى الإفادة من الخامات والخبرات المحلية. ومن الواضح أن مدرسة استدعاء الخارج لاتزال تمثل مركز قوة مؤثر وغلاب فى مصر. وحرص الحكومة على حل الأزمة الاقتصادية من خلال الاقتراض من المؤسسات الدولية شهادة تدل على أن السلطة تضرب المثل فى المضى فى ذلك الاتجاه. وليس غريبا والأمر كذلك أن تواجه جهود الدكتور الموصلى ورفاقه الذين تصدوا للدعوة إلى الانطلاق من التنمية الذاتية صعوبات جمة، من جانب الشرائح صاحبة المصلحة فى الاستيراد من الخارج، فضلا عن الحرب الشرسة التى فرضت عليهم من جانب البيروقراطية المتربصة بأى انجاز، التى شرعت أكثر من مرة فى تعويق المشروع وتشويهه وصولا إلى هدمه. ما حققته جمعية التنمية الذاتية نموذج له نظائره المضيئة فى الواقع المصرى، التى تلمع فى أفق لا تكترث به سائل الإعلام، وللأسف فإن الذين يقدمون تلك النماذج لا يلقون حقهم فى التقدير من جانب الدولة أيضا (لاحظ أن تقدير جهود الدكتور الموصلى جاءت من خارج مصر)، ومازلت غير مصدق ما قيل من أن الدكتور محمد غنيم مؤسس مركز الكلى بالمنصورة لم يمنح جائزة الدولة التقديرية بسبب موقفه السياسى، رغم النموذج الباهر الذى قدمه هو وزملاؤه فى إقامة مركز طبى عالمى يعالج المواطنين بالمجان ويعتمد فى تمويله على مساندة المجتمع بالدرجة الأولى. وهناك مؤسسات طبية وتعليمية مماثلة، ومشروعات للتنمية الذاتية أقامها نفر من الوطنيين المخلصين الذين اختار بعضهم أن يظلوا جنودا مجهولين، ولكنهم جميعا يستحقون منا الحفاوة والتشجيع. إلا أننا لم نستطع أن نوفيهم حقهم، بسبب البيروقراطية التى لا تسمع ولا ترى، ولأن أغلب سائل الإعلام عندنا دأبت على أن تحتفى بالذين يشعلون الحرائق بأكثر من حفاوتها بالذين يحيون الآمال نقلاً عن جريدة "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إضاءات مسكوت عليها إضاءات مسكوت عليها



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon