توقيت القاهرة المحلي 17:35:27 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حركة أبريل الهندية

  مصر اليوم -

حركة أبريل الهندية

مصر اليوم

  فى الخامس من شهر أبريل عام 2011 أعلن أناهازار الناشط الهندى والعسكرى السابق إضرابا عن الطعام ومعه بعض أنصاره احتجاجا على استشراء الفساد فى البلاد. أحدث إعلانه هزة كبيرة فى طول البلاد وعرضها، لأنه لقى تأييدا واسعا فى مختلف قطاعات المجتمع، التى تعانى الأمرين من الفساد الذى أصبحت رائحته تزكم الأنوف، وترددت أصداؤه فى كل بيت تقريبا، باعتبار أن أى مواطن عادى لم يعد بمقدوره ان يقضى مصلحة إلا من خلال الرشوة أو الواسطة. ذلك غير مظاهر الفساد الأخرى التى كثر اللغط حول تورط كبار المسئولين فيها. وإزاء التأييد الواسع الذى لقيته دعوته فإن الحكومة الهندية التى أصيبت بالذعر اضطرت إلى الموافقة على سلسلة من المطالب المتعلقة بسن تشريعات لمكافحة الفساد. وقد أسهم فى الضغط على الحكومة ليس فقط تجاوب المجتمع السريع مع دعوته، وانما أن الرجل أعاد إلى الأذهان صورة الآباء المؤسسين لشبه القارة الهندية، خصوصا أنه بدا متشبها فى هيئته وحتى نظارته مع المهاتما غاندى، ثم إن وسائل الإعلام القوية ساندته بمختلف منابرها، التى تمثلت فى أكثر من مائة قناة تليفزيونية، إضافة إلى صحف لا تعد ولا تحصى تصدر بمختلف اللغات فى كل الولايات. كان من نتيجة هذه الحملة أن وزير الاتصالات اعتقل وسجن على خلفية بيعه بشكل غير شرعى تراخيص كلفت الدولة 40 مليار دولار. وفى سياقها، أعلن جنرال عسكرى أنه عرضت عليه رشوة قدرها 2.7 مليون دولار لشراء شاحنات غير مطابقة للمواصفات المطلوبة. وتنافست نشرات الأخبار فى فضح ممارسات المسئولين الذين حصلوا على شقق كانت مخصصة لأسر المحاربين القدامى. والذين شاركوا فى توزيع رخص التعدين بطريقة غير مشروعة، وغيرهم ممن تورطوا فى شراء الأصوات البرلمانية أو فى إبرام عقود البناء الملتوية لأصل دورة ألعاب الكومنولث لعام 2010. ولم تكن هذه كلها مفاجآت، لأن مؤشرات الفساد كانت ظاهرة للعيان، حتى إن هناك تقديرات معتبرة تشير إلى أن الفساد كلف الدولة الهندية منذ الاستقلال عام 1947 أكثر من 460 مليار دولار. حملة مكافحة الفساد كانت ومازالت إحدى شهادات قوة المجتمع المدنى الذى ثار مؤخرا عندما وقعت ظاهرة الاغتصاب والقتل المروعة التى تعرضت لها طالبة جامعية فى إحدى الحافلات بنيودلهى خلال شهر ديسمبر الماضى، وترتب على ذلك أن تقدمت 80 ألف امرأة هندية ببلاغات قررن فيها تعرضهن لاعتداءات مماثلة. الأمر الذى مارس ضغطا قويا على الحكومة والبرلمان. وهو ما انتهى بإصدار تشريعات مشددة تم التلكؤ فى وضعها طوال أربعة عقود. قوة المجتمع المدنى فى الهند أثارت انتباه توماس فريدمان محرر صحيفة نيويورك تايمز فأجرى فى إحدى مقالاته (نشرت فى 13/2) مقارنة من هذه الزاوية بين الهند والصين ومصر، قال فيها إن فى الهند مجتمعا مدنيا قويا وحكومة مركزية ضعيفة. أما فى الصين فالحكومة المركزية قوية والمجتمع ضعيف، أما فى مصر فالأمر أفدح، لأن الحكومة ضعيفة والمجتمع ضعيف. وإذا كان ضعف الحكومة من الأمور المتفق عليها فى مصر، إلا أن ضعف المجتمع المدنى يستحق منا وقفة. صحيح أننا لا نستطيع أن نتجاهل آثار المرحلة السابقة على الثورة التى غيبت الديمقراطية وأماتت السياسة وتم خلالها تشويه المجتمع وتجريفه. إلا أننا لا نستطيع أن نتجاهل أيضا اندفاع كثيرين صوب تشكيل المنظمات والائتلافات الشبابية والأهلية بعد الثورة. ولكثرتها فإن تلك المنظمات أصبحت تفوق الحصر (التقديرات تتحدث عن رقم يتراوح بين 200 و300 منظمة). والملاحظة الأساسية على تلك المنظمات هى أنها انخرطت بالكامل فى العمل السياسى، وأدارت ظهرها لقضايا المجتمع الحياتية. وبسبب من ذلك فإنها أصبحت طرفا فى الاستقطاب الراهن الأمر الذى جعلها خصما من حيوية المجتمع وليست إضافة إليه. آية ذلك اننا إذا تجاوزنا عن المنظمات والمجتمعات النشطة فى مجالات الحج والعمرة وتلك المعنية برعاية الأيتام والمرضى ودفن الموتى، فسوف نجد أن ثمة مجالات وملفات مجتمعية مهمة تعانى من التجاهل وانصراف المنظمات الأهلية عنها، منها على سبيل المثال ملفات التحرش والفساد والعشوائيات والبطالة وأطفال الشوارع والبلطجة والمزلقانات..الخ. ولا تفسير لذلك سوى ان منظمات المجتمع المدنى عندنا ــ ربما لحداثة عهدها ــ قدمت المظاهرات والهتافات التى تتردد أصداؤها فى الفضاء، على العمل الجاد والهادئ لمعالجة أوجاع الناس. رغم أن الأول يذهب هباء فى آخر النهار، والثانى هو ما ينفع الناس ووحده الذى يمكث فى الأرض.  

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حركة أبريل الهندية حركة أبريل الهندية



GMT 15:22 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الفشل الأكبر هو الاستبداد

GMT 15:21 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

حافظ وليس بشار

GMT 15:17 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

سلامة وسوريا... ليت قومي يعلمون

GMT 15:06 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

التسويف المبغوض... والفعل الطيِّب

GMT 15:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

نُسخة مَزيدة ومُنَقّحة في دمشق

GMT 15:03 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الشهية الكولونيالية

GMT 15:01 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

البحث عن الهوية!

GMT 13:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

عودة ديليسبس!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 13:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

شام الذهبي تعبر عن فخرها بوالدتها ومواقفها الوطنية

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 15:39 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

"المركزي المصري" يتيح التحويل اللحظي للمصريين بالخارج

GMT 09:32 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

ليفربول يتواصل مع نجم برشلونة رافينيا لاستبداله بصلاح

GMT 20:53 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أجاج يؤكد أن السيارات الكهربائية ستتفوق على فورمولا 1

GMT 06:59 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

مواعيد مباريات اليوم الاثنين 23 - 12 - 2024 والقنوات الناقلة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon