توقيت القاهرة المحلي 17:35:27 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الموروث والعصر

  مصر اليوم -

الموروث والعصر

فهمي هويدي

هل صحيح أن الصراع الحاصل فى مصر الآن هو بين الموروث والعصر؟ استوقفتنى هذه المقولة حين ترددت فى الآونة الأخيرة. واعتبرتها من قبيل التشخيص المتسم بالتبسيط والتغليط ــ لماذا؟ لعدة أسباب أولها أن الأزمة يتعذر اختزالها فى عنصر واحد، وإنما هو حصيلة عوامل عدة بعضها داخلى والبعض الآخر خارجى. ذلك أن اللاعبين على المسرح السياسى هم نتاج عدة عقود من الاستبداد والإقصاء أحدثت تشوهات عميقة فى جميع القوى السياسية أفقدتها القدرة على العمل المشترك بقدر ما حرمتها من خبرة إدارة الشأن العام، ثم إن تلك المرحلة تخللتها ارتباطات وتعهدات قدمتها القيادة المصرية السابقة للولايات المتحدة وإسرائيل بوجه أخص، أحسب أنها تشكل قيودا تكبل حركة أى نظام جديد يقوم فى البلد. الأمر الذى يؤثر سلبا على مجال وكفاءة إدارته. السبب الثانى للتبسيط أننا لا نكاد نرى فى التجاذب الحاصل فى مصر صراعا حول معادلة الموروث والعصر. فإذا تساءل المرء منا عن طبيعة الموروث أو العنوان العصرى المختلف عليه فإنه لن يجد. وفيما خص الشريعة مثلا فإننا نجد إجماعا بين القوى المتصارعة على الأقل على القبول بالمادة الثانية فى الدستور التى اعتبرت أن مبادئها تشكل المصدر الأساسى للتشريع. وحتى الخلافات القائمة حول الجمعية التأسيسية أو الدستور أو قانون الانتخابات فإننا نراها خلافات حول أسلوب إدارة الدولة وصراعا بين التيارات السياسية بشأن التمثيل والحصص والاجتهادات فى ترتيب أولويات المرحلة، ولا نكاد نجد أثرا لخلاف حول شىء من الموروث أو حول التعامل مع شىء من تحديات ومتطلبات العصر. خطورة فكرة الصراع بين الموروث والعصر تكمن فى أنها تصوغ العلاقة بينهما على أساس إقصائى وتصادمى، ولا استبعد أن تكون تلك الفكرة من أصداء القسمة المتعسفة وغير البريئة التى أقامت معسكرا منفصلا حشرت فيه القوى الدينية. وفى مقابلة معسكر آخر لجماعات اعتبرت نفسها قوى مدنية. وقد اعتبرتها غير بريئة لأن العنوانين يعبران فى حقيقة الأمر عن الخلاف الإسلامى العلمانى. ولأن العلمانية مصطلح سيئ السمعة ولا جماهيرية له فى مصر فإن أنصارها آثروا إخفاء الصفة بتعبير آخر أكثر قبولا وجاذبية. ووقع اختيارهم على مصطلح المدنية. وهو ما أساء إليهم من حيث لا يحتسبون، لأن وضعه فى مقابل القوى الأخرى ظلمهم من حيث إنه اعتبرهم فى حالة اشتباك وصراع مع المرجعية الإسلامية، فى حين أن أغلبهم ليس كذلك. تماما كما أن ما سمى بالقوى الدينية ليست فى حالة اشتباك أو خصومة مع الفكرة المدنية، إذ إن المقصود بها إدارة المجتمع من خلال مؤسسات منتخبة دونما إقصاء للبعد الدينى والإيمانى. ولدى مفكرى الإسلام المحدثين كتابات غنية فى مدنية الإسلام قدمها شكيب أرسلان ومحمد عبده والشيخان محمد الغزالى ويوسف القرضاوى والدكتور محمد طه بدوى وصولا إلى الدكتور محمد عمارة والمستشار طارق البشرى، وغيرهم كثيرون. تحضرنا تجربة تونس فى هذا السياق. فالحكم هناك قائم على تحالف حركة النهضة الإسلامية صاحبة الأغلبية فى المجلس التأسيسى مع حزبين آخرين لهما تمثيلهما النسبى فى المجلس. أحدهما علمانى والآخر أكثر ميلا إلى اليسار، فيما سمى بـ«الترويكا»، ولم يمنعهم اختلاف الرؤى فى إقامة ذلك التحالف فى حين أن هناك قوى أخرى فى المعارضة ليبرالية وعلمانية ويسارية، والتجاذب بين الطرفين مستمر طوال الوقت. وهذا النموذج يشهد بفساد فكرة التقاطع بين الموروث والعصر أو بين الدينى والمدنى. بقدر ما يدلل على أن سعة الأفق وحسن الإدارة السياسية كفيلان بتحقيق التوافق بين المختلفين واجتماعهم على ضرورة الاحتشاد للدفاع عن المصالح العليا للوطن. لست أشك فى أن أخطاء إدارة الرئيس مرسى أسهمت فى احتشاد القوى الليبرالية والعلمانية واليسارية ضده، لكنى لست واثقا من أنه لو أحسن الإدارة سوف يحظى بقبول تلك القوى وتأييدها له، لسبب آخر لا علاقة له بالموروث أو العصر، يتلخص فى أن هؤلاء الأخيرين احتكروا السلطة فى مصر طوال العقود الثلاثة الأخيرة، الأمر الذى أخضع البلد لحكم الأقلية السياسية فى تلك المرحلة. وحين أجريت الانتخابات الحرة خسرت تلك الأقلية موقعها، وارتفعت أسهم التيارات المعبرة عن الهوية الإسلامية، الأمر الذى أحدث انقلابا فى المعادلة أثار حفيظة أحزاب الأقلية فاستشاطت غضبا، وقررت أن تخوضها حربا شرسة دفاعا عن وجودها، فكانت الأزمة التى نحن بصددها الآن ــ والله أعلم. نقلاً عن جريدة الشروق

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الموروث والعصر الموروث والعصر



GMT 15:22 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الفشل الأكبر هو الاستبداد

GMT 15:21 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

حافظ وليس بشار

GMT 15:17 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

سلامة وسوريا... ليت قومي يعلمون

GMT 15:06 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

التسويف المبغوض... والفعل الطيِّب

GMT 15:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

نُسخة مَزيدة ومُنَقّحة في دمشق

GMT 15:03 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الشهية الكولونيالية

GMT 15:01 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

البحث عن الهوية!

GMT 13:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

عودة ديليسبس!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 13:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

شام الذهبي تعبر عن فخرها بوالدتها ومواقفها الوطنية

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 15:39 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

"المركزي المصري" يتيح التحويل اللحظي للمصريين بالخارج

GMT 09:32 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

ليفربول يتواصل مع نجم برشلونة رافينيا لاستبداله بصلاح

GMT 20:53 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أجاج يؤكد أن السيارات الكهربائية ستتفوق على فورمولا 1

GMT 06:59 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

مواعيد مباريات اليوم الاثنين 23 - 12 - 2024 والقنوات الناقلة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon