توقيت القاهرة المحلي 17:35:27 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فى بلدنا «سحل»

  مصر اليوم -

فى بلدنا «سحل»

فهمى هويدي

أخشى أن تكون أجواء اللدد فى الخصام فى مصر الذى اقترن بحالة الانفلات فى الأعصاب وفى الأمن قد أخرجت منا أسوأ ما فينا، على العكس تماما من أجواء الثورة العارمة على الاستبداد والفساد التى أخرجت من الشعب أفضل ما فيه. إذ فى حين لا تعرف الذاكرة البصرية المصرية مسألة «السحل» الذى كنا نسمع عنها ونستغرب حدوثها فى بلد كالعراق مثلا، فإن الصورة وجدت مكانها أخيرا فى وسائل الإعلام المصرية، حتى رأينا سحل فتاة فى ميدان التحرير وآخر فى محيط قصر الاتحادية، كما طالعنا أكثر من صورة نشرتها الصحف للصوص وبلطجية لجأ الناس إلى قتلهم وتعليق جثتثهم فى بعض الأماكن العامة. وقرأنا فى بعض الصحف أن الجماهير أحاطت بالمشهد وظل بعضهم يكبرون ويهللون مرحبين بتأديبهم معتبرين أن القتلى لقوا الجزاء الذى يستحقونه. ليس ذلك فحسب وإنما وجدنا أن قنابل المولوتوف والأسلحة الأوتوماتيكية فضلا عن الأسلحة البيضاء قد أصبحت من أدوات التظاهر المعتادة، ليس فقط فى مناسبات الاشتباك مع الشرطة، وإنما أيضا فى المعارك الأخرى التى تحدث بين الناس العاديين، وحين يحدث ذلك فقد بات مألوفا أن يؤدى إلى ترويع الآمنين، وإحراق السيارات والدراجات البخارية، وقطع الطرق وتهديم البيوت والمحال التجارية التى لا تحطم واجهاتها فحسب، ولكن محتوياتها تنهب أيضا.  فى هذا السياق صرنا نقرأ فى صحف الصباح عناوين من قبيل: أهالى الغربية يقتلون 4 بلطجية بعد سحلهم ــ قرية بالمنوفية قتلت بلطجيا وسهرت خوفا من الانتقام ــ الأهالى يسحلون لصين حاولا سرقة «تاكسى» بمحور 26 يوليو ــ حرب شوارع بين عائلتين فى الدقهلية ــ صلبوا شابين فى قرية كفر غنام ــ معركة 4 ساعات فى شبرا أسفرت عن قتل 3 وإصابة 15 وتحطيم 70 سيارة ــ قصاص شعبى فى سمنود ــ الغربية ترفع شعار «إعدام اللصوص فورا» ــ قتل بلطجية الدلتا استنادا إلى حد الحرابة (الذى لا دخل له بالموضوع)!  هذا الذى يحدث لأسباب جنائية لا يختلف إلا فى الدرجة عما يحدث فى مجال السياسة ، ذلك ان المظاهرات التى بدأت بمسيرات سلمية انتهى أغلبها بممارسات للعنف ظهرت فيها قنابل المولوتوف والخرطوش والسيوف وغيرها من الأسلحة البيضاء، الأمر الذى أدى إلى سقوط قتلى وجرحى بين المعارضين والمؤيدين وبين رجال الشرطة أيضا. ووجدنا أن بعض المظاهرات استهدف تعطيل شبكة المترو وحصار البورصة والبنك المركزى وإغلاق مجمع التحرير وإغلاق ميدان التحرير وقطع بعض الجسور التى تربط بين أطراف القاهرة، ووجدنا المتظاهرين خليطا من الغاضبين للثورة والمتاجرين بها والساخطين على الدولة لأسباب معيشية لا علاقة لها بالسياسة، إضافة إلى البلطجية المحترفين والعاطلين عن العمل وأطفال الشوارع.  من المفارقات ان البلطجة الجنائية تلقى استغرابا واستنكارا، فى حين ان البلطجة السياسية تلقى ترحيبا من بعض القوى السياسية بقدر ما  تلقى ترحيبا من جانب العديد من وسائل الإعلام التى لم تر فيها سوى كونها تكثيفا للهجوم على الإخوان وتهديدا لوجودهم فى السلطة. وهو منظور يغيب اعتبارات أخرى تتمثل فى إهدار هيبة السلطة وسمعة الوطن والفوضى التى تؤثر على منظومة القيم السائدة من حيث انها تطرح العنف سبيلا إلى تحصيل الحقوق وتصفية الخلافات، بل وإثبات المواقف.  لماذا أصبح العنف خيارا مطروحا من جانب المجتمع فى مصر؟ هناك عدة إجابات على السؤال منها ما يلى: غياب الثقافة الديمقراطية ــ تراجع قيمة القانون وقيمة التسامح فى المجتمع ــ عجز القوى السياسية عن استخدام لغة الحوار وانحياز بعضها إلى موقف الاقصاء الذى هو اغتيال من نوع آخر، سياسى ومعنوى ــ انسحاب الشرطة وغياب دورها الأمنى ــ ارتفاع منسوب الجرأة فى المجتمع بعد الثورة حتى أصبحت بلا حدود أو سقف ــ عدم وجود رادع حقيقى للبلطجية على اختلاف فئاتهم ــ الغطاء السياسى الذى قدمته بعض القوى لممارسات العنف والتشجيع عليه.  هناك سبب آخر للعنف المجتمعى نبهنى إليه بعض الخبراء يتمثل فى الدور المحيِّر الذى تقوم به بعض عناصر النيابة (للعلم فإن 30٪ من أعضاء النيابة العامة ضباط شرطة سابقون) ــ ذلك ان الأهالى الذين يبلغون عن ممارسات واعتداءات البلطجية يفاجأون بإطلاق سراح المبلغ عنهم، ليتعرضوا بعد ذلك لانتقامهم، ولذلك فإنهم يتولون مهمة عقابهم بأنفسهم على النحو الذى شهدناه. ولا تفسير لذلك السلوك من جانب النيابة سوى ان بعضهم له فى ذلك دوافعهم السياسية، ولذلك فإنهم يعتبرون إطلاق سراح البلطجية وممارساتهم من وسائل المشاغبة على النظام ومن ثم خلخلته وإضعافه.  ان مظاهر العنف الزاحف لها جذور أبعد مما نظن، وحلولها أكبر من مجرد هيكلة الداخلية، ولدى شك كبير فى أن علاقتها بالسياسة أوثق من علاقتها بالأمن نقلاُ عن جريدة الشروق .

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فى بلدنا «سحل» فى بلدنا «سحل»



GMT 15:22 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الفشل الأكبر هو الاستبداد

GMT 15:21 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

حافظ وليس بشار

GMT 15:17 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

سلامة وسوريا... ليت قومي يعلمون

GMT 15:06 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

التسويف المبغوض... والفعل الطيِّب

GMT 15:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

نُسخة مَزيدة ومُنَقّحة في دمشق

GMT 15:03 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الشهية الكولونيالية

GMT 15:01 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

البحث عن الهوية!

GMT 13:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

عودة ديليسبس!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon