توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مبارك لم يحاكم

  مصر اليوم -

مبارك لم يحاكم

فهمي هويدي

    استوقفنى تعليقان على ما نشرته فى هذا المكان قبل أيام عن التسهيلات التى قدمها الرئيس السابق للأمريكيين فى ميناء رأس بيناس المطل على البحر الأحمر، وهى القصة التى عايشها وأورد تفاصيلها فى مذكراته السفير إبراهيم يسرى المدير السابق للشئون القانونية بالخارجية المصرية. الأول من قارئ بدا متشككا فى الرواية، وتساءل قائلا: إذا صحت فلماذا لا تعلن ذلك حكومة الثورة وتقوم بإلغاء تلك التسهيلات. التعليق الثانى جاءنى من دبلوماسى مخضرم، وقد اختزله فى ثلاث كلمات هى: وما خفى كان أعظم.الرسالتان عكستا موقفين فى مصر هذه الأيام. موقف فريق لم يتح له أن يعرف حقيقة ما جرى خلال الثلاثين عاما التى أمضاها مبارك فى الحكم لأنه كان بعيدا عن الصورة طول الوقت. وفريق يضم أناسا آخرين كانوا فى الصورة أو قريبين منها، والأولون غير مستعدين لتصديق ما يقال عما جرى فى تلك المرحلة. والآخرون يعرفون جيدا لكن منهم من آثر الصمت لسبب أو آخر، ومنهم من لم تتح لهم الفرصة لكى يتكلموا، ولازلنا فى أمس الحاجة لأن نسمع شهاداتهم. صاحبنا الذى لم يكن مستعدا لتصديق ما أعطاه مبارك للأمريكان من تسهيلات معذور وله الحق فى تساؤله وتشككه، فضلا عن أننى أزعم أنه يمثل بعضا من الذين باتوا يتعاطفون مع مبارك هذه الأيام.صحيح أن أغلبية الشعب هتفت لسقوط النظام قبل عامين استجابة لشعور جارف بالظلم والفساد اللذين أشاعهما نظامه، إلا أن الجميع وجدوا بعد ذلك أن مبارك حوكم على أمور أخرى مغايرة لتلك التى ثاروا من أجلها. فقد اختزل الظلم والاستبداد الذى مارسه فى موقفه خلال الثمانية عشر يوما التى استغرقتها الثورة، والتى سقط فيها نحو ألف من القتلى، وأسقطت من لائحة اتهامه ممارساته خلال الثلاثين سنة السابقة. وقد برأه القضاء من تهمة القتل، أما الفساد فقد اختزل فى بعض المخالفات المالية التى رصدها جهاز الكسب غير المشروع والتى يتعلق بعضها بنفقات القصور الرئاسة. وهذه أيضا لا أستبعد أن يبرأ منها. هذه الصورة تعنى أن مبارك لم يحاكم على جرائمه الكبرى، الأمر الذى لا أستغرب معه أن يتشكك مواطن كذلك الذى تلقيت رسالته فى فكرة أن يكون قد قدم تسهيلات عسكرية للأمريكيين فى ميناء مطل على البحر الأحمر. إن أحدا لم يعرف حقيقة التعهدات التى قدمها مبارك للأمريكيين ولا المساعدات التى قدمها لهم فى حروبهم القذرة بالمنطقة، خصوصا فى غزو العراق. كما أننا لم نعرف عمق وأبعاد علاقاته مع الإسرائيليين التى جعلتهم يعتبرونه «كنزا استراتيجيا» لهم. كذلك لم نعرف تفاصيل تحيزاته ضد الفلسطينيين ودوره فى حصار غزة. وليس بوسعنا أن نحدد مدى إسهامه فى انفصال جنوب السودان عن شماله. أو تقزيم دور مصر فى العالم العربى. الأسئلة المثارة حول سياسته الداخلية أصعب وأخطر. إذ يتعلق بعضها بنظامه البوليسى والقوائم الطويلة للذين تعرضوا للتعذيب والقتل والاختفاء القسرى، فضلا عن محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية. وبعضها الآخر يتعلق بانحيازه إلى الأغنياء وسياساته الاقتصادية التى دمرت الطبقة الوسطى وأدت إلى تصفية القطاع العام وتوزيع تركته على الانتهازيين والمحاسيب. ناهيك عن جرائم تزوير الانتخابات وتدمير الحياة السياسية وتركيزه على توريث السلطة لابنه، ومن ثم تعطيله لخطط التنمية فى البلاد، أما مسئوليته عن انهيار التعليم وتدهور الخدمات الأخرى فى قطاعات الصحة والنقل والإسكان. وإهدار نظامه للثروة العقارية لمصر، فهى أيضا تحتاج إلى تحرير، ولا نستطيع أن نتجاهل فى هذا السياق مسئولية نظامه عن حرق الفنانين فى قصر ثقافة بنى سويف، وغرق 1300 مواطن مصرى فى جريمة العبارة، وإبادة 400 مواطن مصرى فى قطار الصعيد، وفى النهاية تحويل ذلك البلد الكبير إلى مجموعة من الخرائب والأنقاض. تلك مجرد أمثلة لما لم يحاسب عليه مبارك، وما لم يعد ممكنا مساءلته عليه إلا فى ظل محكمة خاصة توضع أمامها كل تلك الملفات، لا للانتقام منه ولكن لاستيفاء حق الشعب الذى دفع ثمن الثورة كاملا من دماء أبنائه، ليفاجأ فى نهاية المطاف بتبرئة ساحة رأس النظام الذى ثاروا عليه. وقد تعرضت لهذه النقطة من قبل وأشرت إلى المادة 150 من الدستور التى تعطى رئيس الجمهورية الحق فى ان يستفتى الناخبين فى المسائل التى تتصل بمصالح الدولة العليا، ورأى المستشاران حسام الغريانى وطارق البشرى أن ذلك لا ينطبق على الحالة التى نحن بصددها، فى حين قال المستشار سمير حافظ رئيس الاستئناف السابق ان تشكيل محكمة خاصة لمحاسبة مبارك تدخل ضمن مصالح الدولة العليا. وهو لايزال عند رأيه، كما أننى عند رأيى فى ضرورة اتفاق القانونيين على حل للإشكال. نقلاً عن "جريدة الشروق"  

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مبارك لم يحاكم مبارك لم يحاكم



GMT 15:22 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الفشل الأكبر هو الاستبداد

GMT 15:21 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

حافظ وليس بشار

GMT 15:17 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

سلامة وسوريا... ليت قومي يعلمون

GMT 15:06 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

التسويف المبغوض... والفعل الطيِّب

GMT 15:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

نُسخة مَزيدة ومُنَقّحة في دمشق

GMT 15:03 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الشهية الكولونيالية

GMT 15:01 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

البحث عن الهوية!

GMT 13:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

عودة ديليسبس!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon