مصر اليوم
هل تذكرون جمعية الهلال الأحمر المصرى؟ طرحت السؤال على أكثر من واحد، بعضهم أطباء، فردوا علىّ جميعا بالسؤال التالى: هل لاتزال الجمعية موجودة؟ حيث اكتشفت أنها سقطت من الذاكرة رغم أنها موجودة من الناحية القانونية منذ أكثر من مائة عام (تأسست سنة 1912). ما دفعنى إلى تحرى الأمر أننى قرأت فى بعض الصحف أن نحو 260 ألف صومالى ماتوا بسبب الجوع خلال السنتين الأخيرتين. وأن المنظمات الإغاثية فى العالم تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه من ذلك البلد المبتلى، الذى هو عضو فى جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامى. وقد شعرت بالحزن حين وجدت أن بريطانيا دعت إلى مؤتمر لأجل الصومال افتتحه رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون فى 7 مايو الحالى، وتساءلت: أليس العرب والمسلمون أولى بالنهوض بتلك المسئولية.
لم يكن خافيا على أحد أن أصدقاء الصومال الذين اجتمعوا فى لندن كانت لهم دوافعهم الأمنية والسياسية إلى جانب الدوافع الإنسانية، ذلك أن انشغالهم بوصول عناصر القاعدة إلى شرق أفريقيا وبالقضاء على القراصنة الذين هددوا البواخر العابرة فى باب المندب ـ من وإلى المحيط الهندى ـ أكثر من انشغالهم بأوجاع الشعب الصومالى ومصيره. ونحن لا نستطيع أن نتوقف طويلا أمام نقد موقفهم، ليس فقط لأنهم يتحرون مصالحهم فى نهاية المطاف، ولكن أيضا لأنه يتعين علينا أن ننهض بمسئوليتنا إزاءهم قبل أن نتوجه باللوم إلى الآخرين ونندد بدوافعهم.
حين شرعت فى بحث موضوع الغياب العربى والإسلامى عن إغاثة شعب الصومال، وجدت أن الجهات النشيطة من هذه الزاوية تتمثل فى الهلال الأحمر التركى (قبل عام زار أردوغان مقديشيو مع زوجته والآن تطير إلى العاصمة الصومالية كل يوم طائرة من استانبول) والهلال الأحمر القطرى، ولجنة الإغاثة باتحاد الأطباء العرب، وهناك جهات أخرى تقوم ببعض الجهد فى مجال التنمية مثل بنك التنمية الإسلامى ومنظمة التعاون الإسلامى.
حين وقعت على اسم الهلال الأحمر عنّ لى مباشرة السؤال التالى: أين الهلال الأحمر المصرى؟
ولما حاولت الإجابة على السؤال وقعت على الملاحظات التالية:
ـ أن الجمعية خضعت طيلة الثلاثين سنة الأخيرة لسلطة وهيمنة قرينة الرئيس السابق، الأمر الذى أدى إلى تأميمها عمليا وإلحاقها بالسياسة المصرية، وهو ما ترتب عليه شل حركتها تقريبا، وتضييق نطاقها الذى بات محكوما بإطار السياسة المصرية، التى لم تهتم بأفريقيا أو العالم العربى، لذلك اقتصرت أنشطة جمعية الهلال الأحمر على التحرك الداخلى الروتينى، ومن باب الحياء وسد الذرائع فإنها قدمت بعض المعونات الإغاثية لقطاع غزة.
ـ إن الدور الإغاثى الذى خرج من مصر نهضت به لجنة الإغاثة التابعة لاتحاد الأطباء العرب، التى مدت أنشطتها إلى أنحاء أفريقيا وآسيا، وحققت إنجازات كبيرة فى سد احتياجات الفقراء والمنكوبين فى القارتين. ولأن بعض الشخصيات المنتمية إلى حركة الإخوان هى من تولت الإشراف على تلك الأنشطة، فإن الأجهزة الأمنية ظلت لعناصرها بالمرصاد، حتى لفقت لها اتهامات بممارسة الإرهاب، أدت إلى الحكم بالسجن على قيادات اللجنة.
ـ إن الأجهزة الأمنية كانت تطلب من لجنة الإغاثة فى نقابة الأطباء تسليم بعض المواد الإغاثية المراد إرسالها إلى غزة لجمعية الهلال الأحمر لكى تتولى من جانبها إدخالها باسمها إلى القطاع. وقيل لى إن اللجنة كانت ترحب بذلك لأنه كان يهمها توصيل الأدوية والأغذية، باعتبار أن التوصيل هو الأهم بصرف النظر عن الجهة التى تدخلها.
ـ إن لجنة الإغاثة اكتسبت خبرات عريضة من خلال ممارساتها التى استمرت أكثر من ربع قرن. وتواصلت فى داخل مصر وخارجها. إلا أنها اضطرت إلى التركيز على الخارج بعدما تعرضت له من ملاحقات ومضايقات من جانب الأجهزة الأمنية فى الداخل، التى حرصت على أن يظل الحضور مقصورا على جمعية الهلال الأحمر بعدما استفزها وأحرجها الدور الذى قامت به لجنة الإغاثة حين ضرب الزلزال مصر فى تسعينيات القرن الماضى.
ـ بسبب ارتباط جمعية الهلال الأحمر بقرينة الرئيس السابق واستمرار اعتمادها على المساندة الحكومية والأمنية، فإن نشاط الجمعية دفع ثمن ذلك الارتباط بعد سقوط النظام ومعه أجهزة الدولة البوليسية فتوقف «تقريبا» لأنها لاتزال تمارس بعض الأنشطة المتواضعة التى يكتفى بإضافة صورها إلى موقع الجمعية على الانترنت. وفيما عدا ذلك فإنها ما عادت مذكورة فى الداخل أو الخارج.
شىء مؤسف أن تتوافر لمصر مثل هذه الجمعية العريقة التى تمثل جزءا من قوة مصر الناعمة، ثم يسدل الستار على دورها ليتوارى بعد مائة عام من إنشائها فى حين أن البلد صار أحوج ما يكون إلى النشاط الأهلى الذى يركز على ما هو إغاثى وتنموى، خصوصا بعدما انشغل الجميع بما هو سياسى. وهو ما يدعونا لأن نرفع الصوت عاليا داعين الجمعية لأن تستعيد دورها المرتجى سواء فى مصر أو فى محيطها العربى والإسلامى المفتوح للجميع، الأبرار منهم والأشرار.
نقلاً عن جريدة "الشروق"