توقيت القاهرة المحلي 21:28:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

درس فى الأخلاق السياسية

  مصر اليوم -

درس فى الأخلاق السياسية

فهمي هويدي

أهل السياسة والإعلام فى تركيا يتداولون القصة التالية التى حظيت بأكبر قدر من القراءة والمتابعة فى وسائل التواصل الاجتماعى. فى الأسبوع الماضى (يوم 15/5) عقدت الاشتراكية الدولية مؤتمرا فى بروكسل، حضره رئيس حزب الشعب الجمهورى السيد كمال قلشدار أوغلو الذى يعتبر حزبه يساريا، وألقى كلمة ندد فيها بالأوضاع الاقتصادية لبلاده واتهم رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان بأنه لا يختلف كثيرا عن بشار الأسد وصدام حسين. وشاء حظه أن يطلق هجومه بعد أيام قليلة من الإعلان الرسمى فى أنقرة عن ان تركيا نجحت فى سداد ديونها الخارجية التى بلغت 85 مليار دولار، وانها تعتزم تقديم قرض لصندوق النقد الدولى بقيمة 5 ملايين دولار. كان يجلس إلى جوار السيد كمال قلشدار على المنصة رئيس المجموعة الاشتراكية فى البرلمان الأوروبى حنس سوبودا الذى أدهشه ما سمعه من المعارض التركى الذى بدا متجنيا ومتحاملا بصورة مكشوفة، فغادر القاعة ولم ينتظر انتهاء كلمته. وقال لمساعديه ان للاشتراكية الدولية قيما وأخلاقا وأعرافا يتعين الالتزام بها، والطريقة التى تكلم بها السيد قليشدار تتعارض مع تلك القيم والأعراف. لذلك فإنه لم يجد سبيلا للتعبير عن الاستياء والاحتجاج سوى مغادرة قاعة الاجتماع فى هدوء. ولم يكن ذلك كل ما فى الأمر، لأن زعيم حزب الشعب الجمهورى كان له موعد للقاء السيد سوبودا بعد ذلك، لكن الأخير قال لمساعديه انه ما لم يعتذر قليشدار عما قاله أو يصححه فإنه لن يكون مستعدا للقائه، وبرر موقفه هذا بقوله ان الزعيم التركى المعارض ضيف ومن احترام تقاليد الضيافة وأعراف الاشتراكية الدولية ان يراعى الضيف شعور مضيفيه وان يتصرف بصدق ومسئولية فيما يعبر عنه.. ولما لم يحدث ما طلبه سوبودا فإن الاجتماع لم يتم وجرى إلغاؤه. أثارت انتباهى القصة من زاوية الحرص على المسئولية الأخلاقية التى ينبغى ان يتحلى بها المعارض السياسى. وهو الدرس الذى أراد رئيس المجموعة الاشتراكية الدولية أن يلقنه للسيد قليشدار، حين دافع بسلوكه ليس فقط عن ضوابط تلك المسئولية ولكن أيضا عن قيم وأعراف الاشتراكية الدولية، وهو موقف لا يتأتى إلا فى ظل نهم عميق لقيم الديمقراطية وصلتها بالأخلاق السياسية، الأمر الذى نفتقده فى حياتنا السياسية، بحكم حداثة عهدنا بالممارسة الديمقراطية وما تستصحبه من مسئولية أخلاقية فى ممارسة الحرية وفى سلوك المعارضة. إذ المتابع لما يحدث فى مصر يدرك ان هناك تداخلا بين الحرية والفوضى، وان هناك التباسا فى ان فكرة القانون يطلق حريات الناس طالما ان ممارساتهم لا تشكل عدوانا على حريات الآخرين، أو تعطيلا للصالح العام. وبسبب ذلك التداخل فإن قيمة الحرية اقترنت فى التطبيق العملى بمفهوم استباحة الآخرين وممارسة مختلف أشكال تجريحهم والحط من شأنهم وإهدار كراماتهم. وخطورة هذا السلوك تكمن فى انه يتحول بمضى الوقت إلى ثقافة سائدة فى المجتمع. ليس فقط لأنه يهبط بمستوى الحوار ويدفع الفريق الآخر إلى ممارسة هبوط مماثل وهو ما نشهده فى تجاذبات الإخوان والمعارضة، ولكن أيضا لأنه يعطى الجماهير دروسا فى كيفية إدارة الخلافات بين بعضهم وبعض. لا يقتصر الهبوط فى الأداء على لغة الحوار بين الفرقاء، ولكنه يمتد ليشمل المواقف التى تتداخل فيها الخطوط بين المعارضة والمعاندة، ولا تميز بين الانصاف الذى ينحاز لما هو ايجابى ويدين ما هو سلبى، وبين المسئولية التى تحث المعارض على ان يقدم البدائل التى يراها محققة للصالح العام، وبين المعارضة الانقلابية التى ترفع شعار علىَّ وعلى أعدائى، بما يعنى انه طالما نحن لسنا أصحاب القرار فكل من عدانا باطل ولا سبيل إلى القبول به. لايعيبنا أن نكون حديثى العهد بالممارسة الديمقراطية، لكن يعيبنا جدا ألا نتعلم من أخطائنا، بحيث نظل نرفع المعاندة شعارا، حتى وإن أدى ذلك إلى غرق السفينة بكل ركابها. نقلاً عن "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

درس فى الأخلاق السياسية درس فى الأخلاق السياسية



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon